في خضم التصعيد العسكري والتهديدات النووية، تزداد المخاوف من احتمال اندلاع حرب نووية شاملة بين روسيا وحلف الناتو، وهو ما يضع العالم على حافة الهاوية. تصريحات الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج، في مطلع الشهر الجاري، أكدت جاهزية دول الحلف لدخول حرب نووية ضد روسيا والصين. ستولتنبرج صرح لصحيفة “تلجراف” البريطانية بأن الحلف يبحث وضع المزيد من الرؤوس النووية في حالة الجاهزية لمواجهة ما وصفه بـ “التهديد المتزايد” من روسيا والصين، مشيرًا إلى أن عالمًا تمتلك فيه روسيا والصين وكوريا الشمالية أسلحة نووية، ولا يمتلكها الناتو، هو عالم أكثر خطورة.
تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية 3700 رأس نووي، منها 1700 جاهزة للإطلاق، بينما تمتلك بريطانيا 40 رأسًا من بين 225 في حالة جاهزية. وفي المقابل، يجري الجيش الروسي تدريبات على استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، استعدادًا لمواجهة حلف الناتو في حال تعرض المدن الروسية لخطر وجودي، كما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكبار المسؤولين الروس.
في هذا السياق، تقف تركيا أمام مأزق استراتيجي معقد. على الرغم من أن دول الناتو توحدت خلف الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة روسيا وكبح جماح التفوق العسكري الصيني، فإن تركيا تواجه صعوبة في التوافق مع هذه العقيدة. وثيقة الناتو تنص على أن الدول الأعضاء في الحلف تكون كتلة واحدة في حالة الدفاع والهجوم، مما يعني أن تركيا قد تضطر لتقديم أراضيها وجيشها لدعم هجمات الناتو ضد روسيا، وهو ما قد يؤدي إلى تدمير المدن التركية وربما محوها بالكامل في حالة اندلاع حرب نووية.
تستضيف تركيا قواعد عسكرية هامة مثل قاعدة إنجرليك، التي يمكن لحلف الناتو استخدامها في أي نزاع. هذا الوضع يجعل من الصعب على تركيا البقاء محايدة، حيث قد تجد نفسها مضطرة للانسحاب من الناتو إذا رفضت الانخراط في الحرب المقبلة. هذا الانسحاب قد يؤدي إلى الدخول في حالة عداء مع الولايات المتحدة ودول الحلف، مما يعرض تركيا لخطر عسكري محتمل.
في الوقت ذاته، يحاصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بظروف تاريخية ضاغطة. حاول أردوغان لعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا والغرب، وقدم مبادرات للسلام، لكن واشنطن أفشلت محاولاته لأن خطته تعارض الأهداف الأمريكية الأوروبية التي تسعى لإضعاف روسيا عسكريًا. الغرب، وفقًا للشعار الأمريكي “من ليس معنا فهو ضدنا”، يبدو غير مستعد للسماح لتركيا بلعب دور الوسيط أو المحايد في النزاع.
الخلافات بين تركيا والناتو تتجلى في التوترات التي شهدتها العلاقات مع واشنطن بعد الكشف عن تقديم أسلحة متقدمة لحزب العمال الكردستاني، الذي تصفه تركيا بالإرهابي. التوتر تفاقم عندما أوقفت أمريكا تعاونها مع تركيا في إنتاج الطائرة F-35 ردًا على صفقة صواريخ S-400 التي حصلت عليها تركيا من روسيا. فرنسا وأوروبا تهاجم تركيا سياسيًا وإعلاميًا، ورفضت منحها عضوية الاتحاد الأوروبي، مما زاد من تعقيد العلاقة.
رغم الخلافات العميقة بين تركيا وروسيا في قضايا مثل سوريا وليبيا، فإن التعاون بين البلدين يشمل مشاريع طاقة ضخمة، مثل بناء محطات نووية ومشروع “السيل التركي”، بالإضافة إلى تبادل تجاري مستمر. تركيا تعتمد بشكل كبير على الموارد الروسية، سواء في مجال الطاقة أو السياحة، ما يجعل من الصعب على أنقرة التضحية بكل هذه المكاسب.
في الختام، تواجه تركيا اختيارات صعبة بين التضحية بمكاسبها الاقتصادية والأمنية مع روسيا والانخراط في صراع نووي مع الناتو. التوازن بين المصالح الوطنية والتحالفات الدولية يشكل تحديًا كبيرًا لأردوغان وصناع القرار في أنقرة، في وقت يتسم بالاضطراب الجيوسياسي والتصعيد النووي المتسارع.