دولي

الحرب الروسية – الأوكرانية وتداعياتها على النظام العالمي

بقلم د. سماهر عبدو الخطيب

المقدمة

يتطلب الخوض في دراسة أي ظاهرة أو موضوع في العلاقات الدولية الرجوع إلى الخلفية المعرفية والفكرية والمرجعية النظرية لها، أي أن هناك علاقة تلازمية بين الجانب المفاهيمي والنظري من جهة والواقع العملي من جهة أخر، ويعتبر فهم وتحليل هذه العلاقة السبيل إلى الحقيقة العلمية المبنية على التفسير العلمي الذي نسعى إليه من خلال دراستنا.

حيث شكلت نهاية الحرب الباردة مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية، اتسمت بإعادة بناء العديد من المفاهيم التي كانت متواجدة منذ قدم البشرية ومنحها الأولوية في الخطابات السياسية لارتباطها المباشر بالظواهر الدولية، ومن بين الكم الهائل من هذه المفاهيم نجد “مصطلح الأزمة” أو “الصراع” والذي يُعد من المصطلحات الأكثر استخداماً في عصرنا الحالي الذي يمكن وصفه بعصر الأزمات والصراعات،  وهذا يطرح تساؤلاً حول ماهية الأزمة الدولية وطرق إدارتها، وكيف تتحول الأزمة الدولية إلى صراع دولي في وقت باتت الصراعات والأزمات تستحوذ على العلاقات الدولية وباتت الأحلاف والأحلاف المضادة السمة الأساسية لهذه العلاقات وبات المشهد العالمي كذلك الذي كان إبان الحرب العالمية الأولى باصطفافاته ما بين دول المحور والحلفاء ولكنه اليوم ما بين الشرق والغرب أو يمكن أن نقول ما بين دول الشمال والجنوب العالمي مع سلسلة من الأزمات وبؤر الصراع على رقعة الشطرنج الدولية الأطراف الأساسية فيها روسيا الاتحادية والصين الشعبية والولايات المتحدة الأميركية وربما هذا ما يفسّر اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية التي تطورت من أزمة بين البلدين منذ العام 2004 وصولاً إلى العام 2022 وإعلان روسيا بدء عمليتها العسكرية الخاصة في أقليم دونباس مروراً بالعام 2014  وضم روسيا لشبه جزيرة القرم.

وفي العشرين من فبراير/شباط 2022، اعترف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باستقلال جمهوريتين انفصلتا عن أوكرانيا هما “لوغانسك”، و”دونيتسك”. وفي الرابع والعشرين من نفس الشهر، قامت القوات المسلحة الروسية بغزو عسكري شامل للأراضي الأوكرانية بدعوى أن ذلك جاء بناء على دعوة وجهتها هاتان الجمهوريتان الانفصاليتان للنظام الروسي للدفاع عنهما، في مواجهة ما أسماه النظام الروسي: “حرب الإبادة التي يشنُّها النازيون الجدد في أوكرانيا” ضد الأقليات من أصل روسي في الجمهوريتين.

وفي مقابل السياسات الروسية، توالت ردود الأفعال الدولية والإقليمية -سياسية واقتصادية وإعلامية، بل وعسكرية- تجاه ما سُمِّي بـ”الغزو الروسي لأوكرانيا”، أو “العدوان الروسي على أوكرانيا”، خاصة مع حجم التدمير الذي شهدته الأراضي الأوكرانية في فترة زمنية وجيزة بعد بدء الحرب مباشرة. ومع تشابك الأطراف وتعقُّد المشهد الدولي أمام التداعيات التي ترتبت على الأزمة يبدو مهمًّا البحث في تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، على بنية النظام الدولي.

تسعى روسيا الاتحادية إلى فرض نفسها كشريك في القرار الدولي من خلال تفعيل جميع المقومات الجيواستراتيجية عن طريق رؤية وفكر استراتيجي كما أنها تتعامل في سياستها الخارجية من خلال أولوياتها وبالتالي فروسيا تسعى لتحقيق المصلحة القومية العليا كثابت في سياستها عبر أدوات وأساليب متغيرة بحسب حسابات الربح والخسارة لروسيا.

تبنت روسيا في السنوات الأخيرة، مواقف في سياستها الخارجية أحيت التطلعات بعودة التوازن إلى النظام الدولي. عبر مساعيها في التأثير بالمجريات الدولية والإقليمية الفرعية. إذ شكّل انهيار الاتحاد السوفياتي الأثر الكبير الذي انعكس على مستقبل السياسة الخارجية الروسية واستراتيجيتها تجاه المنطقة، بعدما تفردت الولايات المتحدة كـ “إمبراطور العالم”، فعملت روسيا على التخلص من أزماتها السابقة واستثمار ما تمتلكه من امكانيات لتعظيم عملية التنمية الداخلية وعكسها خارجياً بما يعزز مكانتها الجديدة على مسرح السياسة الدولية والإقليمية.

الأهمية:

لا شك أنّ المواجهة الروسية – الغربية اليوم وهي في أشدّها تعود إلى سنوات سابقة وليست وليدة العملية العسكرية الروسية الخاصة في إقليم دونباس والتي تحولت إلى مواجهة مع الناتو الذي فتح الخزائن المالية والعسكرية والاستخباراتية لدعم أوكرانيا ولتصبح حرب بالوكالة ما بين الولايات المتحدة الأميركية والغرب التابع لها وروسيا. وهنا تبرز اهمية البحث في توضيح تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على النظام العالمي وكذلك توضيح الدور الغربي – الأميركي في مسار هذه الحرب من خلال دعمه لأوكرانيا والتي تمثل الحديقة الخلفية لروسيا الاتحادية وبؤرة تطورها الجيوسياسية في المقابل تعتبرها الولايات المتحدة قلب الارض، وذلك في إطار توزيع النفوذ العالمي والرغبة في تغيير هيكلية النظام الدولي. وفي خضم هذا الصراع كان هناك تغييرات على المستوى العالمي وإعادة توزع الأدوار ما بين عدة أقطاب ليبدو واضحاً أن العالم يتجه نحو التعددية القطبية وأن الحرب الروسية الأوكرانية سرّعت من هذا التحول خاصة بالنسبة لروسيا وعودتها إلى الساحة الدولية عبر البوابة الأوكرانية..

الاشكالية:

إنّ تنامي دور روسيا ومكانتها على الصعيد العالمي منذ استلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سدة الحكم في العام 2000 ودخولها في ملفات دولية وإقليمية وإدارتها لتلك الأزمات من ليبيا إلى العراق فسورية وأذربيجان وإرمينيا وأفغانستان وفنزويلا وغيرها من القضايا وتعاونها مع شركاء وقوى دولية وإقليمية مثل الصين وايران وكوريا الشمالية في مواجهة دور ومكانة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الاوروبي تجعل من الساحة العالمية منقسمة حول مشروعين أساسيين الأول يتمثّل بمشروع القوى الرافضة لـ”الوصاية الأميركية” والتبعية الغربية وتسعى لترسيخ التعددية القطبية والمتمثلة بمحور موسكو- بكين (ومن معهما من قوى صاعدة سواء في أميركا اللاتينية أو غرب آسيا مثل إيران وفنزويلا وكوريا الشمالية) فيما يتمثّل الثاني بمشروع القوى المسيطرة والمهيمنة عالمياً والتي تعدُّ نفسها (شرطي العالم) وتسعى للحفاظ على النظام العالمي الاحادي القطبية والمتمثّلة بمحور واشنطن – بروكسل (ومن معهما من قوى آسيوية وأوروبية مثل اليابان وكوريا الجنوبية وبريطانيا)، حيث يحتدم التنافس بين هذين القطبين على أمل تحقيق السيادة العالمية وبطبيعة الحال فإنّ هذه التطورات التي يعبّر عنها هذان المشروعان تجعل العالم يقف امام مرحلة انتقالية يتحول  فيها النظام العالمي من أحادية القطب نحو التعددية القطبية وهنا يمكننا طرح الإشكالية التالية:  كيف ستكون تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على النظام العالمي؟

تساؤلات الدراسة:

ويندرج ضمن الإشكالية السابقة عدة تساؤلات نذكر منها:

  • ما هو مستقبل هذه الحرب؟
  • هل ستشهد “صراعا طويل الأمد” أم تسوية قسرية أم “هزيمة أوكرانيا يؤدي إلى استحواذ روسيا على المزيد من الأراضي وضمها واضمحلال أوكرانيا” أم “انهيارا روسيا يؤدي إلى هزيمة شاملة”؟
  • هل يفضي الصراع إلى توسيع نطاق المواجهة، سواء في مسرحها الأوروبي أو خارج أوروبا؟
  • ما هي انعكاسات هذه الحرب على النظام العالمي وهل ستؤدي إلى التعددية القطبية؟

وفي ضوء ما تقدم سيتم تقسيم البحث وفق الهيكلية الاتية:

 

المطلب الأول: الأزمة الدولية وسماتها وطرق إدارتها

تعتبر الأزمة الدولية بأنها “توتر دولي طارئ لا يبلغ مرحلة الحرب المسلحة. إنها تكاد تنذر بوقوع الحرب([1])”. وهي بهذا المعنى وصف لحالة تتميز بالتوتر الشديد والوصول إلى مرحلة حرجة تنذر بالانفجار في العلاقات الطبيعية بين الدول ومن ثم تشكل تطوراً متقدماً من أطوار الصراع الدولي الذي يبدأ بالمساجلات الكلامية، ويتدرج في تصاعده حتى يصل في ذروته إلى الاشتباكات العسكرية ([2]).

وبالتالي يمكننا أن نقدم تعريفاً عاماً للأزمة الدولية على أنها: نقطة تحول مفاجئة في العلاقات بين الدول، تتضمن تهديداً مباشراً للقيم والمصالح العليا لمختلف الفواعل، مما يفرض على صانع القرار اتخاذ مواقف سريعة وفعَّالة في فترة ضيقة، ويتوقف احتمال تحول الأزمة إلى صراع أو حرب على كيفية استجابة الأطراف المعنية تجاه الموقف، مما يؤدي إما إلى استقرار النظام الدولي أو اختلال توازنه ([3]).

وتجدر الإشارة أنّ الأزمات الدولية تتسم بخصائص تميزها عن غيرها، لذا نجدها تختلف من اتجاه إلى أخر وعموماً يمكن إجمال أهم خصائص الأزمة الدولية فيما يلي: خاصية المفاجئة، حيث تحدث بشكل مفاجأ غير مخطط له مسبقاً. خاصية التهديد، إذ تهدد المصالح العليا والأمن القومي للدولة. خاصية ضيق الوقت، حيث يكون الوقت المتاح لمواجهتها محدود وقصير في ظل شح المعلومات أو انعدامها. خاصية المخاطرة، حيث تفرض على صانع القرار ضرورة اتخاذ قرارات حاسمة ومصيرية لمواجهة الأحداث، التي قد تؤدي إلى تحول في مستقبل العلاقات بين الأطراف. كما تتسم الأزمات الدولية بالديناميكية والنمو التدريجي، حيث تمر بمراحل في تطورها: (ميلاد الأزمة)، يبدأ صانع القرار في هذه المرحلة يحس بخطر ما يلوح في الأفق، ولابد عليه التعامل معه ودرئه قبل تفاقمه وانتقاله للمرحلة التالية. (نمو الأزمة واتساعها): هنا تبدأ الأزمة في النمو والاتساع مستمدة قوتها من محفزات داخلية وخارجية نتيجة عدم قدرة صانع القرار السيطرة عليها في المرحلة الأولى. (نضج الأزمة): تعد هذه المرحلة الأخطر من عمر الأزمة فيها تصل الأزمة إلى أقصى قوتها وعمقها، مما يصعب السيطرة عليها وفي كثير من الأحيان تقف الأزمات عند هذه المرحلة لأسباب داخلية أو إقليمية أو دولية. (انحسار الأزمة): تأتي هذه المرحلة نتيجة لقدرة صانع القرار على احتوائها وفق خطط مدروسة أي بداية للانفراج. (حل الأزمة): في هذه المرحلة تنتهى الأزمة نهائياً. ([4])

وقد شهد التاريخ نماذج عدة لإدارة الأزمات كانت بمعظمها تنتهي بسيطرة قوة المنطق على منطق القوة بعد أن اهتدت الجماعات البشرية إلى أن مبدأ البقاء للأقوى لم ينجم عنه سوى المزيد من الحروب فباتت تتجه نحو قوة المنطق والبحث عن سبل أخرى للبقاء بعيدة عن الفناء. وهناك العديد من التجارب التي كفلت العيش بسلام كالتجربة الأوروبية التي امتدت من مؤتمر فيينا 1814-1815 حتى قيام الحرب العالمية الأولى. غير أنّ الأزمة الروسية الأوكرانية تطورت نحو الصراع وتفوق فيها منطق القوة على قوة المنطق وشهدت هذه الأزمة تغيير في السياسة الخارجية إذا اعتبرنا بأن السياسة الخارجية هي التصرفات والسلوكيات التي تمارسها الدولة خارج إقليمها، وأنه بواسطة هذا النوع من التصرفات تدخل الدولة في شبكة من الارتباطات والمواضيع والعلاقات متعددة الأوجه مع أطراف خارجية أخرى بغية تحقيق مجموعة من المآرب.

المبحث الأول: توجهات السياسة الخارجية الروسية

عادت روسيا إلى ساحة الصراع الدولي وجاء تكريس التحول في السياسة الخارجية الروسية أولاً في خطاب الرئيس فلاديمير بوتين أمام مؤتمر ميونخ للسياسات الأمنية في 10 شباط 2007 عبر انتقاد الهيمنة الاحتكارية الأميركية على السياسة الدولية مع ميل الولايات المتحدة الأميركية إلى الاستعمال المفرط للقوة العسكرية في تلك السياسة وركز في خطابه على استعراض أحادية القطب للسياسة العالمية المعاصرة ورؤية دور روسيا الاتحادية ومكانتها في العالم الحديث بالنظر إلى الحقائق والتهديدات الحالية. ثانياً بعد ثلاثة أشهر بالتمام على خطابه في ميونخ في 9 أيار 2007 ومن الساحة الحمراء تحديداً بمناسبة الذكرى 62 للانتصار على النازية خاطب الرئيس فلاديمير بوتين القوات العسكرية الروسية قائلاً “إن الأخطار التي شكلتها النازية لم تختف وإنما اتخذت أشكالاً جديدة وأفكار الرايخ الثالث التي تتسم بالاحتقار الشنيع للحياة البشرية والسعي إلى الهيمنة على العالم ما زالت قائمة وهو ما يعد إشارة إلى أن الخطر الأميركي يعادل الخطر النازي استنتاجاً .[5]

في خطاب بوتين السنوي أمام الجمعية الفيدرالية الروسية سنة 2005 بعد وقت غير قصير من إخضاع ثورة الشيشان وبعد استعادة النمو والاعتراف بروسيا لخص بوتين مشاعره بشأن تفكك الاتحاد السوفييتي بالعبارات التالية: “دون توسع كثير… إن الحقيقة الواضحة هي أن تفكك الاتحاد السوفياتي كان الكارثة السياسية الطبيعية الأعظم في القرن العشرين” كان ذلك إعلاناً واضحاً عن النية لاستعادة كبرياء الاتحاد الروسي المفقودة. ونستطيع أن نستشف السعي الروسي إلى امتلاك عامل الردع من خلال استقراء تصريحات بعض المسؤولين، فلقد صرّح غينادي سيليزنيوف، رئيس مجلس الدوما، أن روسيا “دولة نووية كبرى، وهكذا يعتبرها العالم، كما أن روسيا تركز على قدراتها العسكرية لحماية أمنها ولكي لا يتجرأ الآخرون على دس أنوفهم في بلادنا. وهذا أمر مثبت في مبادئ السياسة الخارجية الروسية، ولدينا إمكانات واسعة. لذلك أنا واثق من أن روسيا ستكون بعد 15-20 عاماً روسيا أخرى من حيث نموها وقدرتها”.[6]

والجدير بالذكر بأنّ بوتين عندما تكلم في ميونخ في 10 شباط 2007 في المؤتمر السنوي للسياسات الأمنية هاجم بحدة السياسة الأميركية “إننا نشاهد اليوم استعمالاً للقوة المفرطة غير المضبوطة – القوة العسكرية – في العلاقات الدولية، قوة تغرق العالم في جحيم من النزاعات الدائمة (…) نشاهد ازدراء أعظم للمبادئ الأساسية للقانون الدولي. والمعايير القانونية المستقلة أصبحت في الحقيقة، أقرب إلى نظام قانون دولة واحدة. دولة واحدة، وبالتأكيد في المقام الأول الولايات المتحدة، التي تخطت حدود وطنها في جميع الاتجاهات”.

وهذا الخطاب وفق برنت سكو كروفت انتهى بنداء لم يول ما يستحقه من انتباه. قال بوتين “الآن هو وقت التعاون يجب أن نتعاون على الأسلحة النووية ويجب أن نتعاون على عدم انتشارها ويجب أن نتعاون على الطاقة النووية لكي لا تشعر أية أمة بالحاجة إلى تخصيب الأورانيوم داخلياً”، وكان الاقتراح بإنشاء تحالف دولي لتخصيب الأورانيوم وتخزينه ثم تزويده لتوليد الكهرباء وللأغراض السلمية الأخرى مع ملاحقة وضبط كل التزويدات هو أمر هام جداً للأمن العالمي .[7]

وقد عُرف عن سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الخارجية مرونتها لتتماشى مع التقلبات الخارجية، ومجاراة التطورات الدولية، ففي ظل استمرار الحرب على الإرهاب وغرق جيوش الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في مستنقعات أفغانستان والعراق وفي ظل السياسة الانفرادية الأطلسية التي تم اتباعها بعد 11 أيلول 2001 وهو ما تمثل في تهميش الدور الروسي بعدم اكتراث الولايات المتحدة للمعارضة الروسية لغزو العراق في آذار 2003 أو حتى التشاور مع روسيا الاتحادية حول مستقبل إقليم كوسوفو، ومع الارتفاع المستمر لأسعار النفط عالمياً وانعكاساته الإيجابية على الاقتصاد الروسي والتي أدت إلى زيادة الناتج القومي الروسي وتقليل الاعتماد على المساعدات الاقتصادية الغربية. وعند تسلم الحكم كان بوتين “مهتماً بالدرجة الأولى بإعادة الأمل إلى الشعب الروسي، وتحقيق التقدم الاقتصادي، وسحق الثورة في الشيشان، وتحديث روسيا لمواكبة القرن الواحد والعشرين. هذه المهمات لا يمكن تحقيقها دون تقوية سلطات الحكومة المركزية. والحاجة إلى يد قوية كانت واضحة في العقل الروسي، لإن الروسي العادي يتوق إلى السلام والبحبوحة توقاً شديداً”.[8]

وهنا وانطلاقاً من فهم التوجه الروسي الحالي والذي دفعها نحو إعلان العملية العسكرية الخاصة في دونباس وفقاً لما سمّتها فلا بدّ من فهم ثلاثة دوافع رئيسية للسياسية الروسية المعاصرة، لفهم السلوك الروسي في العالم ككل وليس في أوكرانيا وحسب وهذه الدوافع هي: أولاً: سعي روسيا إلى تحقيق عمق استراتيجي وتأمين حدودها ضدّ التهديدات الخارجية، كسمة أساسية من سمات التفكير الاستراتيجي الروسي، ثانياً: الطموح في نيل الاعتراف كقوة عظمى، وهو ما ظلّ الكرملين ينظر إليه منذ فترة طويلة على أنه ضروري، لإضفاء الشرعية على طموحاته الجيوسياسية، ثالثاً: علاقة روسيا المعقدة بالغرب، التي تجمع بين التنافس أحياناً والحاجة إلى التعاون أحياناً. وهو ما ينعكس على تعريف الهوية الروسية بأنها (أوراسية) أي أنها حالة خاصة ليست أوروبية ولا آسيوية ([9]).

بالتالي فإنّ هذا ما يفسّر مساعي روسيا الاتحادية لفرض نفسها كشريك في القرار الدولي وذلك من خلال تفعيل جميع المقومات الجيواستراتيجية عن طريق رؤية وفكر استراتيجي كما أنها تتعامل في سياستها الخارجية من خلال أولوياتها وبالتالي فروسيا تسعى لتحقيق المصلحة القومية العليا كثابت في سياستها عبر أدوات وأساليب متغيرة بحسب حسابات الربح والخسارة لروسيا.

حيث تبنت روسيا في السنوات الأخيرة، مواقف في سياستها الخارجية أحيت التطلعات بعودة التوازن إلى النظام الدولي. عبر مساعيها في التأثير بالمجريات الدولية والإقليمية الفرعية، إذ شكّل انهيار الاتحاد السوفياتي الأثر الكبير الذي انعكس على مستقبل السياسة الخارجية الروسية واستراتيجيتها تجاه المنطقة، بعدما تفردت الولايات المتحدة كـ”إمبراطور العالم”، فعملت روسيا على التخلص من أزماتها السابقة واستثمار ما تمتلكه من امكانيات لتعظيم عملية التنمية الداخلية وعكسها خارجياً بما يعزز مكانتها الجديدة على مسرح السياسة الدولية والإقليمية. وتحتل أوكرانيا مكانة جيوسياسية مميّزة في السياسة الخارجية الروسية، ومردُّ ذلك إلى ارتباط بقاء روسيا الاتحادية وكيانها بهذا البلد خصوصاً وأنه يشكل امتداد للفضاء الجغرافي الروسي إن لم نقل بأنه امتداد طبيعي للجغرافية الروسية والتاريخ المشترك وأول عاصمة للأمبراطورية الروسية كانت في كييف، ناهيك عن أن أوكرانيا تمثّل السد الفاصل ما بين روسيا ودول الناتو والتي بعد المحاولات المستمرّة من طرف الدول الغربية وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو على إضعافها ومنعها من استعادة مكانتها في النظام الدولي. وهذا ما تعمَّقت في إبرازه وثيقة الأمن القومي الروسي، من هنا تركَّزت السلوكيات الخارجية الروسية إلى سلوكيات دفاعية منتهجة ما يسمى بالخطوة الاستباقية، لتخترق سياسة العزل المطبَّقة ضدها ومع انتهاج هذه السياسة تطورت الأزمة الروسية – الأوكرانية نحو صدام مباشر.

وفي العودة إلى خطاب بوتين الناري في ميونخ فهناك العديد من التعليقات على خطاب بوتين وبدا واضحاً في كتابات المؤرخة والكاتبة والمحللة السياسية الأميركية آن آبلباوم  عن “البوتينية” حيث عنونت مقالها بـ”وساوس بوتين تجاه أميركا” المنشور في الواشنطن بوست الأثنين 26 شباط 2007 والذي تقول فيه “عبّر كثير من المعلقين الصحفيين والساسة عن دهشتهم من هذه اللغة الجديدة التي استخدمها الرئيس فلاديمير بوتين في خطابه الذي أطلقه في مدينة ميونخ الألمانية موجهاً فيه سهام انتقاداته اللاذعة لأميركا التي اتهمها بدفع العالم إلى متاهة لا قرار لها من النزاعات المستمرة وبأنها تعمدت توسيع دائرة انتشار أسلحة الدمار الشامل إلى جانب تخطيها لحدودها السياسية والجغرافية بشتى الوسائل والسبل.

وتساءل المعلقون الصحافيون عما إذا كانت هذه اللغة تعبّر عن بلوغ روسيا طريقاً مسدوداً في مسار تحولها الديمقراطي أم أن الرئيس فلاديمير بوتين كان يخاطب بها مواطنيه الروس أم هي ببساطة تشير إلى حدوث تحول ما في سياسات روسيا؟… يذكر هنا أن الرئيس بوش الأب قد تعامل مع الرئيس فلاديمير بوتين منذ الأيام الأولى لتولي مهام منصبه في البيت الأبيض بالطريقة ذاتها التي طالما تعامل بها كل الرؤساء الأميركيين مع القادة الروس وكما علمنا في ذلك التصريح المنسوب لبوش فقد نظر هذا الأخير مليّاً في عيني الرئيس فلاديمير بوتين فرأى فيه شخصاً سوياً مستقيماً وجديراً بالثقة لكن وبعد الذي قاله الرئيس فلاديمير بوتين مؤخراً في ميونخ أقول: أما آن لرؤسائنا أن يعيدوا النظر مليّاً في عينيه؟.

الفرع الأول: مبادئ تحكم السياسة الخارجية الروسية

في الوقت الذي ترتبط فيه السياسة الخارجية الروسية النشطة المعاصرة بالرئيس فلاديمير بوتين، إلا أنها في الواقع قد تم إطلاقها قبل أن يصبح رئيساً، فالأب الروحي لهذه السياسة هو يفغيني بريماكوف، وحسب بريماكوف، فإن روسيا لم تعد تتبع قيادة القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة، لكنها ستضع نفسها كمركز مستقل للسلطة على المسرح العالمي، مما يسهم في تطوير عالم متعدد الأقطاب كبديل للولايات المتحدة. هذه الرؤية أصبحت معتمدة في السياسة الخارجية الروسية منذ ذلك الحين.

1- مبدأ بريماكوف

تأكدت جدية التحول نحو “التوجه الأوراسي الجديد” مع تعيين يفغيني بريماكوف وزيراً لخارجية روسيا الاتحادية في كانون الثاني عام 1996 كمحصلة لفترة من التغير البطيء في السياسة الروسية نحو هذا التوجه. ويعتبر بريماكوف أحد كبار مفكري روسيا الاتحادية وأحد أشد أنصار وصانعي تيار التوجه الأوراسي الجديد فضلاً عن سعة معرفته وحسن إدراكه وكفاءته السياسية والدبلوماسية”.[10] حيث بلور بريماكوف خطة استراتيجية لدور روسيا الاتحادية وهو ما أصبح يعرف فيما بعد باسم مبدأ بريماكوف في السياسة الخارجية الروسية وتدور محدداته حول النقاط التالية: إنشاء نظام عالمي جديد يقوم على التعددية القطبية التوافقية. إنشاء تحالف أوراسي بين روسيا الاتحادية والصين والهند “كمثلث استراتيجي” يوازن القوة الأميركية. انطلاقاً من هذا التصور أسهمت روسيا الاتحادية في إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون كذلك شكلت أفكاره الأساس النظري لتطوير فكرة “المثلث الاستراتيجي” بإضافة كل من دولتي جنوب أفريقيا والبرازيل إلى هذا التحالف وتشكيل ما يعرف اليوم بتحالف دول “بريكس”. والمعارضة الشديدة لتوسع حلف شمال الأطلسي في دول حلف شمال وارسو المنحل[11].

يعتبر يفغيني بريماكوف “أحد أبرز صانعي توجهات السياسة الروسية المعاصرة بأن روسيا الاتحادية قد بدأت عام 2006 مرحلة جديدة في نهوضها هذه المرحلة تتميز بالقطيعة مع السياسات السابقة التي سادت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي خصوصاً على صعيد العلاقات الروسية الخارجية”[12]. “وبرأي هذا السياسي الروسي المخضرم فإن الرئيس فلاديمير بوتين سعى إلى تحقيق أمرين أساسيين: الأول، هو إحكام سيطرة الدولة على ثروات روسيا الطبيعية ليقطع بذلك مع كثير من مكونات النظرية النيوليبرالية فيعيد للدولة دورها في تنظيم الاقتصاد وإدارة التنمية في الأقاليم. الثاني، هو العمل على تجديد القدرة العسكرية الروسية وعودتها إلى لعب دور متعاظم على المسرح الدولي بالاستناد إلى ثرواتها الطبيعية”.[13]

1- مبدأ بوتين

يتألف “مبدأ بوتين” في السياسة الخارجية بشكل جوهري من الانفتاح نحو الغرب، وإعطاء الأولوية للمصالح الاقتصادية في السياسة الخارجية، وتطبيع العلاقات بين موسكو وجيرانها، وبخاصة الحلفاء السابقين للاتحاد السوفييتي، لكن هذه الأمور ما هي إلا الطبيعة العامة للمبدأ.[14] فبعد استلامه لمهامه بموجب الدستور في السابع من أيار 2000 قدّم الرئيس فلاديمير بوتين في حزيران 2000 مبادئ أساسسية لسياسة روسيا الخارجية عرفت باسم “مبدأ بوتين” لم يخرج هذا المبدأ عن الأفكار التي صاغها رئيس الوزراء السابق يفغيني بريماكوف فعناوين “مبدأ بوتين” أكدت مجمل التوجهات المستقبلية للسياسة الروسية خلال فترة الحكم القادمة ستشكل امتداداً طبيعياً لما أراد بريماكوف إرساءه وفي مقدمة تلك المبادئ: التركيز أولاً على برامج الإصلاح الداخلي على حساب السياسة الخارجية وعلى أن “الأهداف الداخلية لروسيا الاتحادية تلغي أهداف السياسة الخارجية الروسية”. الحفاظ على روسيا الاتحادية كقوة نووية عظمى. تطوير دور روسيا الاتحادية في عالم متعدد الأقطاب لا يخضع لهيمنة قوة عظمى واحدة. العمل على استعادة دور روسيا الاتحادية في آسيا والشرق الأوسط بشكل تدريجي. عدم السماح للغرب بتهميش الدور الروسي في العلاقات الدولية.

وأضاف “مبدأ بوتين” أربعة عناصر جديدة للسياسة الخارجية الروسية وهي: التخلص تدريجياً من نتائج “الحرب الباردة” التي تم التعامل فيها مع روسيا الاتحادية على اعتبارها الطرف المغلوب. إذا استمر توسع حلف الأطلسي شرقاً باتجاه حدود روسيا الاتحادية فسنعيد دعم الترابط بين دول الاتحاد السوفييتي السابق لحماية منطقة خط الدفاع الأول. إن روسيا الاتحادية تعارض نظام القطبية الأحادية ولكنها ستعمل مع الولايات المتحدة الأميركية في قضايا عديدة مثل الحد من التسلح وحقوق الإنسان وغيرها. ستعمل روسيا الاتحادية على دعم بيئتها الأمنية في الشرق الأقصى عن طريق تقوية علاقاتها مع الصين والهند واليابان.[15]

وقد نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بناء منظومة عسكرية رادعة لأعداء روسيا الاتحادية واستعاد الاقتصاد الروسي قدر كبير من العافية والانضباط والنمو المتواصل ففي السنوات الأخيرة سددت روسيا الاتحادية كامل ديونها الخارجية قبل موعدها. كما نجحت روسيا في تكوين احتياط ضخم من الذهب والعملات الصعبة من عائداتها المرتفعة من مبيعات البترول والغاز الطبيعي وهو ما كان غير متوقعاً لدى الغرب. وشكل ارتفاع أسعار النفط عالمياً حينها من خلال زيادة الاستهلاك على منتوجات الطاقة وتدفق الاستثمارات والتوظيفات الأجنبية في الاقتصاد الروسي جميعها عوامل ساعدت على نمو الاقتصاد الروسي سنوياً وبشكل متتال ومتراكم ما أدى إلى تحسن مستوى معيشة الفرد فيها.

1- مبدأ الأوراسية الجديدة:

بدا واضحاً انتعاش النظريات الأوراسية بقوة من جديد في أوساط صنّاع القرار والنّخب الفكرية والثّقافية الروسية، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. كردة فعل عن القطبية الأحادية التي طبعت النّظام الدّولي الجديد الذي أقصى روسيا من الزعامة الدّولية وافتك منها كثير من مناطق النّفوذ، فكانت هذه النظريات محاولات لبناء عقيدة حديثة قصد صياغة دور روسيا الاستراتيجي وسياستها الخارجية في المستقبل، حيث تسعى روسيا إلى استخدام كل ما لديها من عناصر القوة في استراتيجيتها الأوراسية، وتتمثل تلك العناصر بموقعها الاستراتيجي الذي يغطي جزء من أوروبا وقسم كبير من آسيا، إضافة إلى امتلاكها لثروات طائلة وقوة عسكرية جبارة ونفوذ سياسي ودبلوماسي، وكذلك امتلاكها لتراث حضاري وطاقة علمية كبيرة وحضور قوي على المساحة السوفييتية السابقة، وهذه العناصر تسهم بشكل كبير في بناء هيكلية تكاملية أوراسية بمشاركة دول أخرى، آسيوية بالدرجة الأولى. ولهذا المبدأ الأوراسي الذي تسير على نهجه روسيا ثلاثة أبعاد متداخلة ومتشابكة وهي: أمنية، واقتصادية، وجيوسياسية.

 

المبحث الثاني: الأزمة الروسية – الأوكرانية وأبعادها الجيوبولتيكية

قبل الولوج في مستقبل الصراع الروسي الأوكراني وتداعياته على المستقبل العالمي لابدّ من فهم أسبابه.

1- جذور الأزمة الروسية – الأوكرانية

تعود جذور هذه الأزمة إلى عقود من الزمن فمع سقوط جدار برلين، 1989، وتفكك الاتحاد السوفيتي، عام 1991، ثم إعلان تأسيس الاتحاد الأوروبي في نوفمبر/تشرين الثاني 1993، الذي تزامن مع سقوط المعسكر الشرقي الاشتراكي فأصبح الطريق ممهدًا لإنشاء نظام أمني أوروبي جديد، ما أحدث زلزالاً سياسياً هزّ المنطقة والعالم،  فبعد خروج عدد من دول حلف وارسو من الفضاء السوفيتي، وكان خيار الكثير منها هو الاندماج في البنى الاقتصادية والأمنية الغربية، وانضمامها إلى حلف الناتو، وقد سمحت روسيا لمعظم دول وسط وشرق أوروبا ودول البلطيق بالانخراط في تلك الأطر، إلّا أنّها تبنت مواقف متصلبة أمام مساعي انفلات دول أخرى بعينها، وتحديداً الثنائي السلافي: بيلاروسيا وأوكرانيا. وهو ما عدّه كثيرون تناقضاً في سياسات روسيا[16]. ففي عام 1999، انضمت دول مجموعة فيشغراد (المجر، بولندا، التشيك) إلى الناتو. وفي عام 2004، انضمت إلى الحلف دول مجموعة فيلنيوس (بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا). وفي عام 2009، وافق حلف الناتو على انضمام ألبانيا وكرواتيا، وبلغ عدد أعضائه 30 عضوًا، مع انضمام الجبل الأسود، عام 2017، ومقدونيا الشمالية، عام 2020.  كما أدرجت ثلاث دول، هي: البوسنة والهرسك وجورجيا وأوكرانيا تحت فئة الدول الطامحة للانضمام للحلف. ناهيك عن انضمام فنلندا في نيسان 2023 لتنضم السويد في آذار 2024 ولتصبح العضو الـ32 في الناتو وهو ما تعتبره روسيا تهديداً لأمنها القومي باعتبار أنّ حلف الناتو بات يحاصرها ويهدد أمنها خاصة إذا ما عدنا إلى الأهداف الرئيسة لهذا الحلف العدوانية بالنسبة لروسيا الاتحادية.

ومن هنا يمكننا فهم أنّ الأزمة الروسية – الأوكرانية والتي تدحرجت إلى مواجهة مباشرة وصدام روسي – ناتوي تعود أصولها إلى العام 1991 مع تفكُّك الاتحاد السوفيتي، وتوقيع “مذكرة بودابست” في العام 1994، والتي تعهَّدت روسيا الاتحادية بموجبها احترام حدود أوكرانيا في مقابل تخلِّي كييف عن ترسانتها النووية الموروثة عن الاتحاد السوفيتي لصالح روسيا. غير أنّ الحسابات الجيوبوليتيكية فرضت نفسها على المعادلة الروسية، والتي تمخّضت عن اتجاه حلف الناتو للتمدد شرقًا، وتساقط الدول المذكورة آنفاً كأحجار الدومينو في “الناتو” وإطباق الحصار على روسيا إذ لم يتبقَ سوى بيلاروسيا وأوكرانيا كدول عازلة بين روسيا والناتو، وانضمام هاتين الدولتين إلى الناتو خط أحمر بالنسبة لروسيا لإنّ ذلك يعني حصارها داخل حدودها، كما تصاعدت مخاوفها مع مخرجات قمة الناتو التي عُقدت في العاصمة الرومانية، بوخارست، عام 2008، عندما رحَّب الحلف بتطلع أوكرانيا وجورجيا لنيْل عضويته، وهو ما كان، من وجهة النظر الروسية، بمنزلة إعلان لحرب ممتدة بين روسيا والغرب. الأمر الذي دفع بروسيا إلى القيام بخطوة استباقية فبدأت بسلسلة من المواجهات لمنع هاتين الجمهوريتين من الانضمام للحلف، وكانت البداية بالحرب الجورجية عام 2008، وقيام روسيا بضم إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ثم الأحداث الأوكرانية عام 2014، والتي نتج عنها قيام روسيا بإعلان ضم شبه جزيرة القرم في المقابل تسارعت معدلات التعاون العسكري والأمني بين الولايات المتحدة وأوكرانيا، وتُشير بعض التقديرات إلى حصول أوكرانيا خلال الفترة من 2014 إلى 2021 على نحو5.6  مليارات دولار من الولايات المتحدة، تشمل أسلحة ومعدات تدريب للجيش، ودعم مكافحة التهديدات السيبرانية، بالإضافة إلى الدعم الاستخباراتي عبر “مبادرة المساعدة الأمنية الأوكرانية”[17]. كما أقرَّ حلف الناتو حزمة من المساعدات الشاملة لتعزيز الاستراتيجية الدفاعية والأمنية في أوكرانيا[18].

1- الأبعاد الجيوبولتيكية للأزمة الروسية – الأوكرانية

قبيل الولوج في الأبعاد الجيوبولتيكية التي يمكن فهمها من خلال الأهداف الاستراتيجية الأساسي لروسيا التي يمكن تلخيصها بجمع كل الشعوب الناطقة بالروسية في دولة قومية واحدة، ففي العام 2014، وبعد ضم شبه جزيرة القرم بموجب الاستفتاء الشعبي، أوضح بوتين أنه بعد حل الاتحاد السوفييتي، “ذهب الملايين من الناس إلى الفراش في دولة واحدة واستيقظوا في بلدان مختلفة، وأصبحوا بين عشية وضحاها عرقيين الأقليات في جمهوريات الاتحاد السابقة، بينما أصبحت الأمة الروسية واحدة من أكبر، إن لم يكن أكبر مجموعة عرقية في العالم يتم تقسيمها حسب الحدود”. وبالتالي ما يثير قلق الغرب ليس فقط ترانسنيستريا أو شبه جزيرة القرم أو شرق أوكرانيا، ولكن المجتمعات الناطقة بالروسية في دول البلطيق وفي آسيا الوسطى، أي إعادة تأسيس الاتحاد السوفياتي السابق كوحدة جيوسياسية واحدة إن لم يكن دولة واحدة: “مجتمع أوراسيا” مع روسيا كأول بين متساوين. تم تحقيق هذا الهدف إلى حد كبير.

وهنا يمكن فهم أهمية موقع روسيا في وسط القارة الأوراسية، وهي التي تَعُدّ نفسها صلة الوصل الجامعة بين حضارتي الغرب والشرق، وهذا الموقع الجيوبولتيكي هو من حدَّد لها دور المؤسس والمحرك لعملية التكامل ضمن الاتحاد الأوراسي الاستراتيجي. فروسيا، كما يفهمها الأوراسيون الروس، ليست مجرد دولة على قارتين، بل إنها في نظرهم، عبارة عن ملتقى للدروس والعبر التاريخية التي أسهمت في تذليل التناقضات وعدم الاستقرار التي شهدتها هذه المنطقة عبر التاريخ، وتتجسد فيها (أي في روسيا) إنجازات الشعوب والقوميات والإثنيات التي تقطن أرجاء المجال الأوراسي. وهذا ما يفسر ظهور النظرية الأوراسية في روسيا في أعمال مفكرين روس في القرنين الماضيين من أمثال سافيتسكي وتروبتسكوي وألكسييف وكراسافين وغيرهم.

رغم أنّ السياسة الخارجية الروسية لم تكن “عدوانية” تجاه الغرب غير أنّ التحركات الغربية دفعت روسيا إلى تغيير تلك السياسات لمواجهة التهديدات الغربية فمع تصاعد التوتر بين روسيا والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة تزايد اهتمام خبراء الاستراتيجيا والسياسة الخارجية بأوكرانيا التي تحولت إلى أولوية وجودية وعمق استراتيجي حاسم بالنسبة لأمن روسيا القومي، وهي أهمية تزداد كلما ازداد التوتر الدولي، وتنبع أهمية أوكرانيا من أنها تعطي روسيا القدرة على مد نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي إلى دول شرق أوروبا والقوقاز والبحر الأسود.

ويعتبر منع أوكرانيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي أو إلى حلف الناتو والسقوط في الفك الغربي هدفاً رئيسياً لروسيا الاتحادية والتي ترى أن أوكرانيا تقع في دائرة نفوذها الطبيعي[19]. وازدادت الأهمية الاستراتيجية لأوكرانيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عندما أعلنت أوكرانيا استقلالها في 1991، وعلى الرغم من أن كونها تعني الكثير لروسيا بل للقومية الروسية لأن أوكرانيا في القرن العاشر الميلادي في المهد الأول للأرثودوكسية الروسية والعديد من الأوكرانيين هم من الناطقين باللغة الروسية، ولكن حينئذ لم تكن روسيا في وضع يسمح لها بتحدي هذا الاستقلال[20].

وهنا يبدو أن النموذج النظري الذي اقترحه تشارلز ف.هيرمان([21]) من أبرز النماذج العلمية المعتمدة لتحليل ظاهرة التغير في السياسة الخارجية وفق الرؤية التحليلية وهو الأكثر ملاءمة لمحاولة فك تشفير السياسة الخارجية الروسية وتغييراتها حيث يقوم هذا النموذج على أن “التغيرات التي تطرأ على السياسات الخارجية لدولة ما لاتخرج على أحد أشكال التغير التالية: المسار الأول: التغير الهدفي والذي يقصد به التغير الذي طرأ على السياسة الخارجية لدولة ما على مستوى أهدافها. المسار الثاني: التغير البرنامجي وهو التغير الذي يطرأ على مستوى أدوات تنفيذ السياسة الخارجية. المسار الثالث: التغير الإتجاهي أوالتوجهي وهو أكثر الاشكال تطرفاً في التغير وذلك من خلال التغير الذي يطرأ على السياسة الخارجية على مستوى أدوات تفنيدها وأهدافها”([22]). مخططات هيرمان هي أداة تهدف إلى فهم الأسباب التي تدفع الحكومات إلى إعادة توجيه سياساتها الخارجية، على هذا النحو، فإنه يناسب هذا التحليل، بالنظر إلى أن السياسة الخارجية لروسيا شهدت العديد من عمليات إعادة التوجيه المفاجئة في تاريخها الحديث. وخاصة العملية العسكرية الخاصة في دونباس التي تزامنت مع تعديل جذري للسياسة الخارجية الروسية، وخاصة في أبعادها الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية.

حيث عملت روسيا من خلال البعد الأمني الذي يعبّر عنه ضلوعها في مهمة مكافحة الإرهاب على المستوى الدولي، فهي ترى في هذه المهمة خط الدفاع الأول عن أمنها الاستراتيجي، فعملت على تعزيز قواها العسكرية ومواجهة التحديات الإستراتيجية التي يشكلها تقدم حلف الناتو شرقًا وصولًا إلى باحتها الخلفية في أوكرانيا وجورجيا والبحر الأسود، فكان إقدامها على ضمّ شبه جزيرة القرم وتدخلها الفاعل في منطقة الدونباس في شرق أوكرانيا بمنزلة خطوات جوابية ذات بعد إستراتيجي بهدف حماية أمنها القومي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تدخلها المباشر في سوريا وغير المباشر في ليبيا ومناطق أخرى يندرج في إطار البعد الأمني الاستراتيجي

كما عملت روسيا إلى إعادة ترميم وتوطيد علاقاتها المتشعبة مع الجمهوريات السوفييتية السابقة واستعادتها إلى “الحضن” الروسي، مستفيدة من الروابط الشديدة والمتنوعة، اقتصاديًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، التي ربطت هذه الجمهوريات بالمركز الروسي طيلة العصرين الإمبراطوري والسوفييتي، ومن خيبة أمل بعضها من نتائج توجهها نحو الغرب عقب تفكك الاتحاد السوفييتي، وتعتبر هذه المساعي إحدى التوجهات الجيوبولتيكية والتي تحقق البعد الجيوبولتيكي للاستراتيجية الروسية فعملت من خلال هذا التوجه على نسج علاقات وُدٍّ وتفاهم وتعاون مع دول مختلفة في القارة الآسيوية والشرقين الأوسط والأدنى (مع تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى وباكستان والهند…إلخ)، على الرغم من التناقضات، الحادة أحيانًا، وتضارب المصالح التي تشوب العلاقات بين بعضها بعضًا أحيانًا.

أما من خلال البعد الاقتصادي، فعملت روسيا على بناء هياكل تكاملية أوراسية من ضمنها منظمة شانغهاي للتعاون الأوراسي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والتعاون المكثّف مع اثنين من أعضاء مجموعة بريكس الآسيويين هما الصين والهند، والعمل المشترك مع الصين في إنجاز مشروع «حزام واحد طريق واحد»، الذي تسعى الصين من خلاله إلى إحياء تقاليد «طريق الحرير العظيم» في ظل أوضاع العالم المعاصر. وتشهد هذه المنظمات والبنى التحالفية جهودًا لصوغ أهداف ومهمات وخطط سير ومؤسسات، ووضع آليات لتحقيق الاتفاقيات ولتعزيز مواقع الدول الأعضاء ولتعزيز نفوذها في العمليات السياسية والاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي.

وعليه فإنّ الأيديولوجية الأوراسية تمثل لروسيا الفرصة الوحيدة للاستمرار وللارتقاء إلى مصافّ الدولة العظمى وذلك انطلاقًا من إسهام روسيا في الحضارة العالمية والأوراسية عبر ألف عام من تطورها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والمعرفي، بالتالي فإن قيام التكتل الاقتصادي والسياسي الأوراسي لن يكون مجرد استجابة للتحديات الراهنة، بل هو بالدرجة الأولى امتداد لمسار تاريخي وحضاري عميق الجذور. ومن هنا تقاطعت الأفكار الأوراسية مع طموحات الرئيس فلاديمير بوتين لإيجاد مكان مرموق لروسيا في العالم، حيث تقوم الرؤية الجديدة للأوراسية أو “الدوغينية” في النظرية الرابعة ونظرية عالم متعدد الأقطاب على الركائز الثّقافية والاجتماعية والتّاريخية والجغرافية والدّين المسيحي الأرثوذكسي، والجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية والركائز اللّغوية والفولكلور والتراث الإنساني والجيوبولتيك.

الفرع الأول: تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية

يمكن التمييز في إطار تداعيات الأزمة بين عدة محاور أساسية ما بين داخلية واقتصادية وأمنية ودولية:

1- الخسائر الأوكرانية والأوروبية

تضخمت خسائر الاقتصاد الأوكراني؛ حيث توقفت معظم الأنشطة الاقتصادية في البلاد، كما لحقت بالبنية التحتية الأساسية من الطرق والجسور والموانئ أضرار كبيرة. وأغلقت معظم الموانئ والمطارات الأوكرانية نتيجة الأضرار التي لحقت بها، فهي إما تضررت أو دُمِّرَت  وتسبب إغلاق الموانئ الأوكرانية المُطلَّة على البحر الأسود في عرقلة حركة النقل البحري، وحاولت الحكومة الأوكرانية استبدال نقل البضائع الزراعية عبر السكك الحديدية إلى دول الجوار الأوروبي، قبل أن تحظر تصدير العديد من السلع الزراعية. وعلى الرغم من صعوبة حصر الأضرار المادية في أوكرانيا بشكل نهائي حاليًّا، فإن التقديرات الأولية تشير إلى أن ما لا يقل عن 100 مليار دولار من البنية التحتية والمباني والأصول المادية الأخرى جرى تدميرها.

أما الدول الأوروبية فواجهت العديد من الأضرار والتحديات بسبب تداعيات الحرب، وتكمن المعضلة الأمنية الأوروبية في كون الارتدادات العكسية الناتجة عن فرض العقوبات على روسيا كبيرة، مقارنة مع ارتداداتها على واشنطن بحكم الارتباطات الجغرافية والديمغرافية والاقتصادية والأمنية. فإن هذه الأزمة يمكن أن تشكِّل منعطفًا فاصلًا للأمن الأوروبي، وتؤدي إلى تغيير جذري في الاستراتيجيات الأمنية الأوروبية. وكلما طال أمد الأزمة واستمر تدفق اللاجئين الأوكرانيين إلى دول الاتحاد الأوروبي، استمر استنزاف موارد وقدرات الاتحاد الأوروبي، خاصة أن أوروبا ليست مستعدة لتداعيات استمرار الحرب في مجالي الطاقة والاقتصاد وكذلك اللاجئين، ومن تلك التداعيات نذكر: تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع حجم التبادل التجاري وتهديد الاستثمارات والأصول الأوروبية في روسيا وتعرضها لخطر المصادرة أو التأميم بسبب الحرب والعقوبات الغربية، وتهديد أمن الطاقة الأوروبي وتهديد الأمن الغذائي، وأزمة اللاجئين الأوكرانيين، وتضرر قطاع الطيران والسياحة مع حظر الرحلات الجوية بين روسيا والدول الأوروبية، كما تُعد روسيا ثالث أكبر مصدر للسياحة في أوروبا بجانب تضرر العديد من قطاعات التصنيع، والبنوك والخدمات المالية.

1- تداعيات الأزمة الروسية – الأوكرانية الجيواستراتيجية:

تمثِّل الحرب الروسية-الأوكرانية في أحد أبعادها تعبيرًا عن تنافس بين إمبراطوريتين، الأولى تفكَّكت (الاتحاد السوفيتي) وتخشى وريثتها (روسيا الاتحادية) من استمرار التفكُّك، والثانية تتراجع (الولايات المتحدة)، وكل منهما تسعى لتوظيف الأقاليم الجيوستراتيجية لصالحها: رُوسِيًّا، لمنع استمرار التفكُّك في الداخل، وأميركيًّا، لمنع تسارع التراجع وتعزيز الحضور في أوروبا.

إحياء نظام عالم متعدد الأقطاب:

يتنامى الشعور بين النظم السياسية الدولية بتراجع السياسة الأميركية، ومن شأن استمرار الأزمة الأوكرانية تعميق هذا التراجع، مما سيؤثر على علاقات الوحدات داخل الإقليم، وكذلك على درجة استجابة بعض هذه الوحدات للمطالب الأميركية بخصوص الأزمة الأوكرانية. خاصة وأنّ هذا الصراع مثّل أكثر العوامل التي ساهمت تاريخياً في إحداث تحولات في بنية النظام الدولي والعلاقات الدولية وما يترتب عن ذلك من إعادة توزيع لعناصر القوة وإعادة ترتيب الدول، وهو الحال بالنسبة للحرب في أوكرانيا فهي تنذر بولادة نظام دولي جديد[23]. ويمكن فهم هذا التحول من خلال قراءة التوازنات الجديدة التي أوجدتها الحرب الأوكرانية والتي تتجه نحو سياسة المحاور: المحور الأول: روسي – صيني، مقابل المحور الثاني: أطلسي – غربي تقوده الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو وهو ما يرشح التحولات الحاصلة في موازين القوى الدولية لترسيخ نظام دولي جديد متعدد الأقطاب على المدى المتوسط والبعيد، خاصة في حالة توسع نطاق الحرب وتمددها نحو آسيا وهو ما يعني تراجع الهيمنة الأمريكية (شرطي العالم الحالي) وهذا الأمر سيمكن دولاً من الصعود الاقتصادي ويمكن دولاً أخرى من ولوج التسلح النووي والتسابق فيه، كما سيمكن دول الجنوب من هامش كبير للمناورة والانفتاح على خيارات استراتيجية جديدة، وفتح الباب لظهور أقطاب أخرى تلعب دوراً على الساحة الدولية بصياغة أدوار جديدة تسمح لها بفرض هيمنتها على مساحات جديدة ليتجه العالم نحو قدر أقل من الفجوة بين الأقاليم والدول في النظام الدولي الحالي[24]. وهنا، سيكون من المهم التفكير في سيناريو نظام عالمي تسيطر فيه روسيا بشكل فعال على جزء كبير من أوروبا الشرقية، وتسيطر الصين على جزء كبير من شرق آسيا وغرب المحيط الهادئ. وسيتعين على الأميركيين وحلفائهم في أوروبا وآسيا أن يقرروا، مرة أخرى، ما إذا كان هذا العالم مقبولًا، لأن هذا يعني نهاية النظام العالمي الحالي و”بداية حقبة من الفوضى والصراع العالميين؛ حيث تتكيف كل منطقة في العالم بشكل غير مستقر مع التكوين الجديد للقوة.

إحياء الصراع الجيوبولتيكي عوضاً عن الصراع الإيديولوجي:

لا شك بأنّ الأزمة الروسية – الأوكرانية ذات أبعاد جيوبولتيكية أكثر منها أيديولوجية والتي كان لها تداعيات دفعت إلى تقارب استراتيجي روسي – صيني نتيجة لمجريات الحرب وتعاظم العقوبات على روسيا التي جاءت بالتزامن مع أزمة مضيق تايوان نتيجة التحرّش الأميركي بالصين ما أدى إلى تقاطع المصالح الروسية – الصينية الحالية في التقارب لتحجيم الضغط الأمريكي وعقوباتها خاصة، فروسيا والصين كقوتين تعديلتين يسعيان لتحدي الهيمنة الغربية، فالأولى عملاق عسكري والثانية عملاق اقتصادي وكلتاهما تتكملان ولديهما أهداف مشتركة. ويعتبر هذا التقارب بأنّه إحياء للكابوس الجيوبوليتيكي الأعظم في العصر الحديث بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية المتمثل في بروز “قوة أو وفاق استبدادي” للسعي للهيمنة على أوراسيا كونها المسرح الاستراتيجي للعالم فالهدف الأساسي للتقارب بين القوتين هو إسقاط النظام الليبرالي القائم كونه يتعارض مع أنظمتها الداخلية غير الليبرالية.

وقد كان لتداعيات هذه الحرب تصاعد لنفوذ الصين واكتسابها دوراً مهماً أكثر من ذي قبل في تحديد مسار الأحداث الحالية سواء بتقديم الدعم اللازم لبوتين لمواجهة العقوبات الغربية، أو من أجل العمل من جانب الغرب وخاصة الولايات المتحدة للحيلولة دون تقديم هذا الدعم. وظهور الصين كتهديد جدي إلى جانب التهديد الروسي والتخوف من تحقيق أي تحالف بينهما زاد من أهمية اليابان في حسابات الدول الغربية وذلك بتشجيع إحداث تغيرات في سياستها الدفاعية من أجل مساهمة أكبر في حماية مصالح الغرب في شرق آسيا خاصة وأنّها من القوى الاقتصادية التي تمتلك من الإمكانيات المادية والتكنولوجية والاقتصادية ما يؤهلها لبناء قوة عسكرية وتحمل أعباء عسكرية جديدة[25]. وعلى ما يبدو أنّ هذه الأزمة ستُغيِّر التصورات الجيوسياسية أكبر بكثير من تغييرها للواقع الجيوسياسي، وفي حين أن روسيا تُشكِّل تحديًا قصير المدى بالنسبة للتصور الغربي، فإنّ الصين ستظل تمثِّل التهديد الكبير على المديين المتوسط والطويل. باعتبار أن التهديد القادم منها جذري، لأنها تعمل على تضييق فجوة القوة مع الولايات المتحدة، وستحاول الصين التصرف باعتبارها دولة أكثر مسؤولية من خلال جهودها في إنشاء مجال نفوذ بالإكراه غير العسكري، كما تفعل في الواقع.

إحياء سباق التسلح وتنامي النزعة العسكرية في العلاقات الدولية:

كان من تداعيات الأزمة الروسية – الأوكرانية تنامي النزعة العسكرية التي دفعت العديد من الدول نحو إعادة بناء استراتيجياتها العسكرية والذي يمكن التعبير عنه بسباق تسلح جديد خاصة بعد تلويح بوتين باستخدام القوة النووية، وهو ما أيقظ هاجس حرب عالمية ثالثة ممّا جعل الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” يطلق واحدا من أشهر تحذيراته خلال العام، عندما قال أن “العالم على بعد خطوة واحدة غير محسوبة من الإبادة النووية”، بعد احتدام المعارك في أوكرانيا وتبادلت فيه موسكو وكييف الاتهامات بخصوص قصف استهدف محطة زاباروجيا النووية جنوبي أوكرانيا عام 2022، وسط تحذيرات من “كارثة نووية محتملة”.

ومنذ أزمة الصواريخ الكوبية خلال الستينيات، بدأت تدور أحاديث تنذر بالخطر حول احتمالية نشوب حرب نووية. ولكن هذه المرة، لا تتعلق التكهنات بسيناريو يوم القيامة الذي تتبادل فيه واشنطن وموسكو صواريخ بالستية عابرة للقارات مزودة برؤوس نووية، بل يتعلق بملابسات موقف يمكن أن يأمر فيه بوتين بضربة محدودة باستخدام سلاح نووي تكتيكي، ربما يحدث إذا حاولت أوكرانيا استرداد شبه جزيرة القرم، التي يعدها الرئيس الروسي أراضي روسية منذ الاستيلاء عليها في عام 2014، وينظر لها الروس حتى المعارضين على أنها أرض مقدسة.

وهذه التهديدات دفعت عديد الدول الأوروبية لإعادة هندسة نظامها الأمني، حيث توجهت ألمانيا لإعادة هيكلة جيشها وتزويده بأحدث المنظومات التسليحية، كما أعلنت 23 دولة أوروبية تجمع بين عضوية الناتو والاتحاد الأوروبي، رفع إنفاقها الدفاعي من1.5%. من ناتجها المحلي الإجمالي تعادل 200 مليار دولار سنوياً، إلى 2 %عام 2024. كما أقدمت الحكومة الصينية على رفع ميزانيتها العسكرية، تغدو الأعلى منذ العام 2019، وتحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد نظيرتها الأمريكية البالغة 740 مليار دولار ليتخطى نمو الانفاق العسكري نمو الناتج المحلي، وجراء تفاقم المخاوف من استلهام بكين للسيناريو الروسي حيال أوكرانيا لغزو تايوان برمائيا وضمها للصين عنوة طالبت أوساط أمريكية بتكثيف الدعم العسكري الأمريكي النوعي لتايوان، مع رفع مستوى تأهيل قواتها. كما دعا رئيس الوزراء الياباني إلى مراجعة إملاءات الملف النووي لبلاده. وقد أجرت كوريا الشمالية بدورها العديد من التجارب لإختبار أحدث صواريخها استعراضاً للقدرات النووية.

1- تداعيات جيوبولتيكية على أوروبا والحلف الأطلسي:

لاشك أنّ تداعيات الأزمة الروسية – الأوكرانية ستنعكس على أوروبا وربما سيعتمد مسار هذا التأثير على عوامل مختلفة أهمها أن أوروبا ما قبل العملية الروسية في أوكرانيا لن تكون كما هي بعدها. وبالتالي فإنه من الواضح أنّ هذه التداعيات ستظهر فيما يلي:

بداية حقبة جديدة لأوروبا والولايات المتحدة:

إذا افترضنا سيناريو تحقيق أهداف روسيا السياسية في أوكرانيا بالوسائل العسكرية، وبالتالي السيطرة الروسية على أوكرانيا، فهذا يعني بداية حقبة جديدة لأوروبا والولايات المتحدة (ضفتي الأطلسي)، حيث سيواجه “حلف الأطلسي” تحدياً مزدوجاً: يتمثل في إعادة التفكير بالأمن الأوروبي مع عدم الانجرار إلى حرب أكبر مع روسيا قد تقود لحرب عالمية ثالثة، ستكون نتائجها كارثية (يتجنبها الجميع) بالنظر إلى ما يمتلكه الأطراف من أسلحة نووية ويبدو أنّ الدفاع بقوة عن الأمن الأوروبي لا يسير بشكل متوافق مع تجنب التصعيد العسكري مع روسيا في ظل انخراط الناتو في الدعم اللامحدود لأوكرانيا.

بالتالي فإنّ قدرة الناتو أو الاتحاد الأوروبي على حفظ الأمن والسلام في القارة باتت محل شك بالفعل؛ خاصة وأنّ السياسة الدفاعية الأوروبية ظهرت بأنها غير قادرة على توفير الأمن لأعضائها، وبالتالي ستكون مسألة طمأنة دول الاتحاد الأوروبي الشرقية من ناحية عسكرية أمراً أساسياً؛ والرد بالعقوبات لن يكون كافياً لردع روسيا أو وقف طموحاتها التوسعية. حيث ينحصر الأمن في أوروبا في الدفاع عن الأعضاء الأساسيين في الاتحاد والحلف، بينما يتوجب على الدول الأخرى من خارج الحلف أن تتدبر أمرها بنفسها، باستثناء فنلندا والسويد اللتان تسيران على طريق الانضمام. قد لا يكون هذا بالضرورة قراراً بإنهاء سياسة التوسع؛ لكن هذا سيحدث بحكم الأمر الواقع في ظل الحصار المتصور من قبل روسيا، ولن يكون لدى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي القدرة على السياسات الطموحة خارج حدودهما[26].

في الأثناء، ستبذل روسيا كل الجهد الممكن من أجل إضعاف الالتزام بحلف الناتو والعلاقة عبر الأطلسي، وقد تنشط من خلال أساليب يمكن تسميتها بـ”الدومينو المعكوسة” والتي اتبعتها الولايات المتحدة سابقاً مع الدول التي كانت تدور في الفلك السوفييتي سابقاً، بأساليب جديدة مثل التأثير على الرأي العام الذي سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي في أوروبا، إضافة إلى أنّ السيادة الروسية على أوكرانيا ستؤدي إلى حكماً إلى زعزعة الاستقرار في منطقة أورآسيا برمتها من إستونيا إلى بولندا ومن رومانيا وحتى تركيا وسيكون الوجود الروسي في أوكرانيا مصدر قلق دائم لكل جيران أوكرانيا واستمراره سيشكل تهديدًا حقيقياً لأمنهم[27].

تغيير خارطة القوى العسكرية

يبدو أن تداعيات هذه الأزمة ستنعكس على الخارطة العسكرية للقوى الأوروبية، والتي ظهرت من خلال القرارات المتعلقة بالإنفاق الدفاعي وخاصة ألمانيا التي ستظهر في المدى المنظور كقوة عسكرية إضافة إلى قوتها الاقتصادية متنافسة مع فرنسا والمملكة المتحدة في الاضطلاع بأدوار قيادية في الشؤون الأوروبية وهو ما سيجعل الصراع داخل أوروبا على الأدوار القيادية وربما بعد سنوات سيؤدي ذلك إلى تفكك الاتحاد الأوروبي وسط الصراع بين دوله على الأدوار القيادية من جهة وعلى دعم الناتو من جهة أخرى وعليه فمن المرجَّح أن تنقسم أغلب البلدان في أوروبا، لاسيما القوى الأساسية، ليصبح بعضها جزء من النظام المحدود بقيادة الولايات المتحدة، مع تفلت بعض دوله من النظام الأميركي نتيجة تململها من السياسات الأميركية وتحكّمها بالناتو كذراع عسكري أميركي وليس غربي إذا افترضنا التوجه العالمي نحو التعددية القطبية. وبالنسبة لأوكرانيا، باعتبارها أهم الوحدات الدولية، المرتبطة بهذه الأزمة، فإن أحد التداعيات المستقبلية المطروحة لها هو التقسيم، أو تغيير نظام الحكم لـ”حكم فيدرالي”، واقتطاع مدن استراتيجية لضمها لدونباس، مثل مدينتي ماريوبول في أقصى الجنوب على بحر أزوف، ومدينة أوديسا على البحر الأسود، لأنهما -وفق القناعة الروسية- جزء من التقسيم الإداري لإقليم دونباس.

 

تحول الصراع إلى اقتصادي شامل

فيبدو أنّ الولايات المتحدة وأوروبا ستكون في حالة حرب اقتصادية شاملة وربما دائمة مع روسيا والصين؛ فسيواصل الغرب فرض عقوبات كاسحة، بينما ستسعى روسيا دون شك لتتجنبها بوسائل مختلفة، في حين تقف الصين إلى جانب روسيا في هذا الجانب وهنا من الطبيعي أن تتجه موسكو إلى تعزيز علاقاتها مع بكين ولاسيما أن كلاهما أصبح يمثل تحديا حقيقيا للغرب. في المقابل ورداً على العقوبات الغربية، ستنتقم روسيا، في مجالات مختلفة منها على الأرجح المجال السيبراني، وكذلك في قطاع الطاقة حيث بقدر ما تجتهد روسيا في استعماله كسلاح ضاغط على الدول الأوروبية وقد تلجأ إلى قطعه نهائيا في لحظة ما خاصة وأن عملية إيجاد البدائل ستأخذ وقتا طويلا وتحديات كثيرة. فيما ستجعل الدول الأوروبية من هذه الحرب فرصة للبحث عن حلول جذرية بديلة لا تجعلها رهينة للتهديدات والإملاءات الروسية وإن تطلب الأمر متسعا من الزمن وهو ما بدى جليا في التوجه نحو البحث عن مزودين جدد[28].

والنتيجة النهائية أن التنافس بين المحورين (روسيا والصين) مقابل (أميركا وأوروبا)، ربما سوف يُورِّط الجميع في منافسة اقتصادية وعسكرية تامة، مثلما كانت الحال أثناء الحرب الباردة، ولكن الاختلاف هنا يكمن في أن النظام الدولي سيكون منخرطًا بعمق في إدارة جوانب التنافس في الاقتصاد العالمي. وفي الوقت الذي يجب أن تعطي فيه الولايات المتحدة الأولوية لمواجهة الصين، يجب كذلك أن تهتم بالجبهة الأوروبية في مواجهة محاولة روسيا إعادة إنشاء دائرة نفوذها من خلال استخدام القوة، وليس أمام الولايات المتحدة خيار سوى مواجهتها بالقوة وهو السيناريو المتوقع وإذا كانت الولايات المتحدة لا تملك حاليًّا القدرات العملياتية لالتزام كامل طويل الأمد بقضيتين كبيرتين في مواجهة روسيا والصين، فإن الواقع الجيوسياسي يفرض عليها ذلك، ولن يكون أمام حلفائها وشركائها على جبهتي أوروبا والهند والمحيط الهادئ خيار سوى إلزام أنفسهم بنشاط أكبر في إدارة هاتين القضيتين، وخاصة في ظل وجود دعم مشترك بين الصين وروسيا لإعادة رسم الخرائط الإقليمية وإعادة كتابة قواعد النظام الدولي بدلًا من العمل على كسب النفوذ من داخل المؤسسات القائمة.

الخاتمة:

تضاعفت أهمية أوكرانيا وأصبحت ساحة تقاطعت فيها الاستراتيجيات الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وذلك لاعتبارات التاريخ والجغرافيا والجيوبوليتيك والتوازنات الدولية في عالم بعد الحرب الباردة.  وكان لإندلاع الحرب الروسية الأوكرانية تداعيات خطيرة ومتعددة على البلدين المتحاربين وأوروبا وشعوب العالم. فإضافة لانعكاساتها السلبية على الأمن الغذائي والغذاء تفجرت أزمة لاجئين وأزمة طاقة وغذاء بل إن المنجز الإنساني أصبح مهدداً برمته خاصة إذا تدحرجت الأزمة لخيارات مجنونة واستعمل السلاح النووي القادر على إفناء البشرية. وبعد أكثر من عامين من الحرب تبدو الحصيلة ثقيلة في الأرواح فضلاً عن الدمار الكبير في البنية التحتية لدولة أوكرانيا وتشريد الملايين من الأوكرانيين الفارين من نيران الحرب. وقد بدا واضحاً أن العملية العسكرية الروسية الخاصة في إقليم دونباس لن تنتهي مع تاريخ التوقيع على إنضمام دونيتسك ولوغانسيك وخيرسون وزاباروجيه إلى الإتحاد الروسي في 30 أيلول 2022 وفق إستفتاء شعبي في تلك المناطق وسبق الإنضمام إعلان التعبئة الجزئية للجيش الروسي في 21 أيلول 2022 ما يعني الإنتقال من مرحلة العملية الخاصة إلى مرحلة الحرب استعداداً للحرب الشاملة.

وبعد عقود مضت على استغلال الولايات المتحدة الأميركية لتعطش الدول التي كانت تدور في الفلك السوفياتي إلى النهوض باقتصادها قدمت لها الدعم الاقتصادي والعسكري لتتهاوى كأحجار الدومينو الواحدة تلو الأخرى في الركب الأميركي هاهي اليوم تذوق السم الذي طبخته أمام تعطش الدول التي تدور في الفلك الأميركي إلى التنمية والنهوض باقتصادها فتجد أنها كانت مخدوعه بذاك الفلك الذي ظنته نجماً لامعاً ليبدو أنه ثقباً أسوداً في فضاء يحوي الكثير من المجرات فعادت تبحث عن سبيل يروي عطشها للتنمية فوجدت في الصين وروسيا ضالتها وباتت “الدومينو معكوسة” كما ستكون القطبية الأحادية معكوسة من الغرب باتجاه الشرق..

في المحصلة، الرئيس الروسي أعلن موقفه بالفعل لا بالقول، والأوراق التي سيكسبها من هذا الفعل سيصرفها في طاولة المفاوضات مؤسساً لمرحلة جديدة ومسطراً تاريخ جديد بحبر روسي وما أراده الغرب من خلال الضغط عليه سينعكس عليهم سلباً بعد أن بات يملك دبلوماسية القوة وقوة الدبلوماسية في الملفات الدولية كافة. فبعد أن امتنعت الولايات المتحدة والناتو عن إعطاء ضمانات أمنية مكتوبة لروسيا بشأن أمنها القومي والذي تهدده الصواريخ الناتوية المتواجدة في الدول الحدودية كما لم تلتزم أوكرانيا باتفاقات مينسك وبعد استنفاذ كل الفرص فإن ما يقوم به بوتين اليوم هو استجرار لتلك الضمانات بالقوة بعد فشل الدبلوماسية وكما يقول البريطانيون: “إذا أردت السلم فاستعد للحرب” وها هو بوتين يستعد للحرب بل ويدق طبولها وسط إرباك أوروبي – أميركي ، ورغم كل العقوبات التي فرضها الغرب مجتمعاً ضدّ روسيا فإنّ الغاز الروسي مازال قوة روسية ضاغطة على أوروبا وخاصة ألمانيا الأمر الذي سيدفع الغرب في نهاية المطاف إلى الجلوس على طاولة المفاوضات والقبول بالشروط الروسية والمعنونة بالغاز مقابل حياد دول أوروبا الشرقية عن الناتو.

 

([1]) عدنان السيد حسين، نظرية العلاقات الدولية، دار أمواج للنشر والتوزيع، طبعة أولى 2003، بيروت ص135.

([2]) عباس المعماري، إدارة الأزمات في عالم متغير، مركز الأهرام، القاهرة، 1993، ص204.

([3]) السيد عليوه، مخاطر العولمة والإرهاب الدولي، إدارة الأزمات والكوارث، دار الأمين للنشر والتوزيع، القاهرة، 2004، ص47.

([4]) محسن الخضيري، إدارة الأزمات، منهج إداري اقتصادي لحل الأزمات على مستوى الإقتصاد القومي والوحدة الإقتصادية، مكتبة مدبولي، القاهرة، طبعة ثانية، ص17 -18.

[5] – توماس فريدمان، أن نلعب الهوكي مع بوتين، منقول عن نيويورك تايمس أنترناشونيال، عدد 8 آذار 2014. https://aawsat.com/home/article/75451

[6] – https://www.rand.org/content/dam/rand/pubs/research_reports/RR1800/RR1826/RAND وجهات النظر الروسية بشأن النظام الدولي.

[7] – مروان اسكندر، الدب ينقلب نمراً، روسيا: الولادة الجديدة، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2011، ص 179.

[8] – مروان اسكندر، الدب ينقلب نمراً، روسيا: الولادة الجديدة، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2011،ص143.

([9]) نحو فهم أفضل للسياسة الروسية الدولية وانعكاساتها على الشرق الأوسط. https://stgcenter.org/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A7%D9

[10] – نحو فهم أفضل للسياسة الروسية الدولية وانعكاساتها على الشرق الأوسط، http://saidagate.com/Home/BlogDetails/7164

[11] – وسيم خليل قلعجية، المرجع نفسه ص44.

[12] – قلعجية، المرجع نفسه، ص88.

[13] – أبعاد الصعود الروسي http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=290615&r=0.

[14] – قلعجية، مرجع سابق، ص45-46.

[15] – قلعجية، مرجع سابق، ص48

[16] بن قطيطة مراد، العمق الحيوي، مكانة أوكرانيا في المنظور الاستراتيجي الروسي، مجلة أفاق العلوم، العدد 11، مارس 2018، جامعة الجلفة، ص195.

[17] Congressional Research Service, “Ukraine: Background and U.S. Policy,” congress.gov, November 1, 2017, https://bit.ly/3vpsKH8.

[18] North Atlantic Treaty Organization, “Comprehensive Assistance Package for Ukraine,” nato.int, July 9, 2016.  https://bit.ly/3NKhmOm.

[19]  Patrick Kingsley The Ukraine Crisis: What to Know About. Why Russia Attached, The New York Times, march 2022. https://nyti.ms/3sZOnxP

[20] نافع بشير، الأزمة الأوكرانية تفجر الصراع على أوروبا من جديد، مركز الجزيرة للدراسات، مارس 2014،أنظر في : https://studies.aljazeera.net/en/node/3662

([21]) وهو النموذج الذي أرسى قواعده في المقال الذي نشره سنة 1990، في العدد 34 من مجلة الدراسات الدواية Studies Quarterly International بعنوان “تغيير المسار: لما تختار الحكومات إعادة توجيه السياسة الخارجية”.

([22]) -Charles Hermann, “Changing course: When governements choose to redirect foreign policy”, International studies quarterly, vol 34, N01, Mar 1990,3-21, WEB: www.links.jstor.org

[23] نايلة العابد ، تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على العلاقات الدولية، مجلة المعيار، مج 27، عدد01، سنة 2023.

[24] وليد عبد الحي، ” انعكاسات الأزمة الأوكرانية على العالم العربي والقضية الفلسطينية “، ورقة علمية صادرة عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات،) أفريل 2022،) ص8.

[25] علاء الحديدي ، تداعيات مباشرة: الحرب الروسية الأوكرانية على العلاقات بين القوى.

[26]  Anna Wieslander and Christopher Skaluba، Will Finland and Sweden join NATO now? Atlantic Council, 3 March 2022 :  https://bit.ly/3IKKlhq

[27]  Robert Kagan، What we can expect after Putin’s conquest of Ukraine، The Washington Post, 21 February 2022:  https://wapo.st/3iP9dtM

[28]  Joe Tidy، The three Russian Cyber-attacks the West Most Fears، BBC, 22 March 2022: https://bbc.in/3tOQEMC

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى