انعطاف نوعي في مسار الحرب في أوكرانيا
• القوات الروسية قد لا تتوقف عند خاركوف، إذ كلّما حصلت كييف على صواريخ أبعد مدى عمّقت موسكو من المنطقة العازلة
قدمت القوات الروسية مفاجأة حساسة للقيادة الأوكرانية ولحلفائها الغربيين بتحريرها اثنتي عشرة بلدة في محيط خاركوف خلال الأسبوع الفائت، ما شكل صدمة ومفاجأة بآن معا، فقد حاول زيلينسكي بزيارته الخاطفة إلى خاركوف رفع الروح المعنوية لدى جنوده الذين بات التقهقهر السمة الرئيسية لنشاطهم في مواجهة القوات الروسية، ولكن يبدو أن الزيارة كانت متأخرة كثيرا حتى أن نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسية مدفيديف وصفها بأنها زيارة الوداع.
على أية حال تمكنت القوات الروسية من إحداث انعطاف نوعي في مسار المعارك حيث استطاعت تحرير بلدة ستاريتسا التي لموقعها أهمية تكتيكية كبيرة، إذ يمكن للقوات الروسية أن تغلق بذلك طريق إمدادات القوات الأوكرانية من الذخيرة والعتاد والرجال عن بلدة فولشانسك، أو بالأدق عن الجزء الذي ما زال تحت سيطرة القوات الأوكرانية، والتي يرجح أنها ستضطر للانسحاب منها قريبا، ويمكن والحال كذلك تطوير الهجوم بحيث تتم السيطرة على الأماكن التي يتم منها قصف مقاطعة بيلغورود الروسية الحدودية، خاصة أن قصف بيلغورود كان الدافع الرئيسي للهجوم الروسي على خاركوف التي تعتبر تاريخيا مدينة روسية، ولكن الرئيس بوتن أعلن قبل يومين أن موسكو لا تخطط حاليا للاستيلاء على تلك المدينة، لكنه سبق أن أكد على ضرورة فرض منطقة عازلة بسبب قصف القوات الأوكرانية لمقاطعة بيلغورود ما يسفر عن مقتل المدنيين.
المنعطف الآخر يتشكل تدريجيا من خلال إلحاح كييف على أن تسمح الولايات المتحدة والدول الغربية لها بقصف الأراضي الروسية بأسلحة غربية، وهو أمر أبدت موافقة عليه بريطانيا وما زالت الولايات المتحدة تتحفظ عليه، خاصة مع وصول صواريخ بعيدة المدى نسبيا وبعضها يتجاوز 300 كيلومتر ما يمكن أن يشكل خطرا جديا على المدن ومنشآت البنى التحتية الروسية.
وحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية فإن كييف طلبت قبل أيام من واشنطن رفع القيود المفروضة على استخدام الأسلحة الأمريكية ضد أهداف عسكرية على الأراضي الروسية، ويرجح أن تتم الموافقة سريّا ويبقى الموقف المتحفظ للاستهلاك الإعلامي، خاصة أن قصف الأراضي الروسية مستمر بشكل شبه يومي منذ أشهر عديدة، ناهيك عن الهجوم الأوكراني الكبير قبل أيام على جزيرة القرم وكراسنودار وبلغورود بالمسيرات الجوية والبحرية.
هذا الواقع دفع بالرئيس بوتن إلى العمل على فرض منطقة عازلة داخل الأراضي الأوكرانية بدأت عمليا بعشرة كيلومترات، لكنها يمكن أن تتعمق حيث يرى بعض الخبراء العسكريين الروس أن هذه المنطقة يجب أن يمتد عمقها إلى 300 كيلومتر داخل الأراضي الأوكرانية لأن أوكرانيا باتت تمتلك صواريخ يصل مداها إلى 300 كيلومتر وأكثر، وخاصة إن حصلت على الضوء الأخضر بقصف الأراضي الروسية بالأسلحة الغربية، ويذكِّر رئيس تحرير مجلة “الدفاع الوطني” الروسية كورتشينكو بأن مدى صواريخ ATACMS يبلغ 300 كيلومتر ولهذا يجب أن تكون المنطقة العازلة بعمق 300 كيلومتر أيضا.
وحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن أوكرانيا طلبت من إدارة بايدن المساعدة في تحديد الأهداف في العمق الروسي التي يمكن لكييف أن تقصفها بأسلحتها الخاصة، وطلبت من الإدارة الأمريكية أيضا رفع القيود المفروضة على استخدام الأسلحة الأمريكية ضد أهداف عسكرية على الأراضي الروسية، في حين سبق لجون كيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي أن الولايات المتحدة لا تشجع على تنفيذ هجمات على الأراضي الروسية ولا تقوم بمساعدة أوكرانيا في تحقيق ذلك..
لكن الغرب ما زال يطالب أوكرانيا بالصمود والقتال، ويمنيها بنصر قريبا، حتى أن بلينكن شجع زيلينسكي في زيارته قبل أيام لأوكرانيا مؤكدا له استمرار الدعم الأمريكي وأن أوكرانيا باستمرار الدعم الغربي ستنتصر حتما على روسيا، هذا الوهم الذي تبالغ به الأوساط الغربية تدفع ثمنه عمليا أوكرانيا، ووصل الأمر بوزير الدفاع البريطاني أن أعلن استعداده للمراهنة بالمال على أن أوكرانيا وحلفاءها سينتصرون على روسيا ويهزمون بوتن، كان هذا الإعلان مقدمة تمهيدية حيث ختمه بالمطالبة بزيادة الدعم لأوكرانيا.
ورغم كل هذا الدعم وشحنات الأسلحة والذخائر الكبيرة والمتلاحقة إلى أوكرانيا، إلا أن الرئيس زيلينسكي اعتاد أن يطلب المزيد في كل مناسبة وبدون مناسبة، وهو دائم التشكي بعدم كفاية السلاح والذخائر الأمر الذي يخفي في الواقع الرغبة في تبرير الهزائم، واضطرار القوات الأوكرانية للتراجع باستمرار وتسليم مواقعها، وقد أعلن زيلينسكي مؤخرا أن هجوم القوات الروسية على منطقة خاركوف قد يكون مجرد موجة ستتبعها موجات منوها بأن أوكرانيا تحتاج إلى ثلاثة أضعاف ما لديها من منظومات الدفاع الجوي، كما أنها تحتاج إلى 130 طائرة من طراز إف 16 لمواجهة القوات الروسية، وربما يطرح لاحقا أن أوكرانيا بحاجة إلى مليون عسكري غربي لمواجهة الجيش الروسي!