دولي

هل تبدأ الحرب العالمية الثالثة من المحيط المتجمد الشمالي؟ ( الجزء الأول)

بقلم د. أيمن أبو الشعر

• روسيا قد تفكر باستعادة آلاسكا التي تزيد مساحتها عن مليون ونصف المليون كيلومتر والتي باعها القيصر للأمريكيين بـ 7 ملايين و 200 ألف دولار!

بات يظهر على السطح معظم ما هو مخبوء في الصدور من تشظيات علاقات الولايات المتحدة مع وروسيا والصين بشكل واسع، الأمر الذي يترافق بتصريحات وإجراءات بالغة الحساسية تدفع إلى تلمس ملامح اقتراب حرب عالمية ثالثة في الأفق القريب.

رؤية تاريخية – جغرافية
يطل على المحيط المتجمد الشمالي أو ما يمكن أن يسمى المنطقة القطبية الشمالية خمس دول هي روسيا وهي أكبر دولة في هذه المجموعة ثم كندا، والدنمارك “من خلال غرينالد” والنرويج والولايات المتحدة، ورغم أن هذه المنطقة كانت شبه مهملة نتيجة المناخ القاسي حيث تصل الحراة إلى 60 درجة مئوية تحت الصفر لكن الاهتمام بها ازداد مؤخرا، وذلك مع تزايد ظاهرة الترفع الحروري، وظهور آفاق اقتصادية وتجارية واعدة جدا بما في ذلك استخدام الممرات المائية والطرق الجديدة في القطب الشمالي، ما يوصل الشرق بالغرب عبر طرق أقصر وأجدى اقتصاديا عدا عن استغلال الثروات الباطنية والبحرية، وهذا ما يفسر ازدياد التنافس إلى درجة خطيرة على هذه المنطقة الحساسة.
وإن حاول السياسيون الدبلوماسيون تخفيف حدة التصريحات لكنهم لم ولن يستطيعوا تخفيف حدة التوتر الحقيقي القائم والاتهامات المتبادلة والإجراءات التي وصلت حدا خطيرا من كل جانب. فقد أعلن وزير الخارجية الصينية وانغ يي لنظيره الأمريكي بيلينكين على هامش اجتماع وزراء خارجية آسيان الذي عقد مؤخرا أن الصين ليست كالولايات المتحدة، ولا تسعى للهيمنة وممارسة سياسة القوة، ومن هنا طالب وانف يي نظيره الأمريكي بلينكين بالكف عن تأجيج نيران النزاعات وتقويض الاستقرار في البحر. ولكن الأمور وصلت إلى حافة مخاطر الصدام المباشر على خلفية التوتر المتصاعد حول آلاسكا.

أرخص صفقة شراء في التاريخ
إذا استثنينا بعض الحالات المذهلة التي تدخل في باب التندر لغرابتها كإهداء حاكم تونس “الباي ” محمد الصادق باشا جزيرة بانتليريا التونسية ” ابنة الرياح” التي تبلغ مساحتها 83 كم مربع إلى إيطاليا لقاء جارية جميلة حسب بعض المعطيات، فإن آلاسكا للولايات المتحدة يبدو وكأنه تبرعا قياسا بمساحتها والثمن البخس الذي قبض لقاءها، وذلك ضمن هاجس ألا تستولي عليها بريطانيا وليس في مقدور روسيا الدفاع عنها،
كانت الولايات المتحدة قد اشترت من روسيا القيصرية هذه الأراضي الواسعة بثمن بخس مذهل في تدنيه وذلك ضمن ظروف بالغة الخصوصية، لن نخوض في تفاصيلها ولكن يكفي أن نعرف أن الولايات المتحدة استغلت ثلاثة أمور تاريخية حساسة: الأول ازدياد النفوذ الأمريكي في آلاسكا واتساع دور التجار والرأسماليين الأمريكيين فيها مع ضعف القدرات العسكرية الروسية إثر هزيمتها أمام بريطانيا وفرنسا في حرب القرم أواسط القرن التاسع عشر، ثانيا ما رافق ذلك من تدهور اقتصادي، وتراجع لحضور رجال الأعمال الروس والنشاطات الاقتصادية الروسية في آلاسكا، أما الثالث فهو التنافر الكبير بين روسيا وبريطانيا وخشية القيصر من استيلاء بريطانيا على هذه المنطقة مستفيدة من الواقع الروسي المتردي إلى درجة كبيرة في تلك المرحلة. وتم بيع آلاسكا التي تزيد مساحتها عن مليون ونصف المليون كيلو متر بمبلغ 7 ملايين و 200 ألف دولار… أي بضعة سنتات لكل ألف متر مربع، أي أن آلاسكا كلها والتي تزيد مساحتها عن ستة أضعاف مساحة بريطانيا بيعت بما يعادل اليوم ثمن شقة متواضعة من غرفة واحدة في ضواحي موسكو!!

من منطقة مهملة إلى فتيل حرب نووية
لننطلق أساسا من حقيقة واضحة للعيان وهي أنه إن حدث صدام مباشر بين العملاقين النووين : روسيا والولايات المتحدة، فإن هذا الصدام قد يتحول على الأرجح بنسبة 99% إلى حرب نووية، بل قد يبدأ بحرب نووية خاطفة وحاسمة ليس للطرفين بل لكل البشرية، وهذا للأسف ما تلعب عليه الولايات المتحدة كون روسيا بلد ينتهج الحوار لا الصدام ” موضوع أوكرانيا له حيثياته الكثيرة والتي كانت في الواقع للأسف فيه روسيا مخدوعة والغرب خادعا” وواشنطن ما زالت تقود أوروبا وراءها فعلا كقطيع، لأن أوروبا هي أول من سيزول من الوجود، والولايات المتحدة تسعى بكل ما لديها من ثعلبية إلى أن تورط أوروبا بالصدام مع روسيا طالما هذه المواجهات تجري بعيدا عن أراضيها بقرابة 8000 كيلو متر.. لماذا هذا التوتر حول آلاسكا إذن وفي هذه الفترة بالذات؟ الأمر يعود كما يبدو دائما إلى الاستفزازات الأمريكية المفاجئة في بعض إعلاناتها الاستراتيجية المعادية بشكل أكثر من واضح، وكأن على العالم كل العالم أن يتبع ما تقوله أمريكا وإلا فالويل لمن يخالف أوامر واشنطن.
وإن تمعنا في أحداث الأيام الأخيرة لوجدنا أن مؤشر ارتفاع حرارة التوتر بلغ حدا بالغ الخطورة فعلا، حيث اقتربت قبل أيام قليلة طائرتان من القاذفة الاستراتيجية الروسية العملاقة توبوليف 96 إم إس وكذلك قاذفتان صينيتان من طراز “شيان اتش 6 كاي” من الأجواء الأمريكية قرب آلاسكا وقد اعترف البنتاغون بالحادثة منوها بأن الطائرات الأمريكية اعترضت الطائرات الروسية والصينية، لكن الأمر ليس في هذه الحادثة نفسها بل في خلفياتها ، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا طائرات قاذفة عملاقة روسية وصينية تستطيع حمل رؤوس نووية قرب الأجواء الأمريكية عند آلاسكا وأبعادها التاريخية كقطعة جغرافية هائلة وصلت الولايات المتحدة بعمق في المحيط المتجمد الشمالي، الرسالة الروسية الصينية تقول للأمريكان تذكروا أنكم إن بالغتم بتماديمكم في خرق الخطوط الحمراء فإنكم تجت مرمى صواريخنا التي يمكن أن تنطلق في أية لحظة حاملة رؤوسها النووية.
تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لا توفر كذلك الرسائل التحذيرية بل وحتى التهديدية فقد قامت طائرات قاذفة أمريكية استراتيجية قبل أيام من حادثة تحليق الطيران الاستراتيجي الرسي والصيني قرب آلاسكا قامت بالاقتراب من المجال الدوري الروسي ما دفع إلى اعتراضها من قبل المقاتلات الروسية، ويخشى أن يتطور هذا السجال الذي سنتابعه في الجزء الثاني.
يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى