عندما يقول سياسي أمريكي فاشل (سنقتل السنوار)… مفاهيم العدالة المعوجة في السياسة الامريكية
بقلم د. سعد ناجي جواد
ليندسي غراهام سيناتور أمريكي صهيوني من الطراز الاول، وهو على الرغم من زياراته لدول عربية عديدة واستضافة فضائياتها له والاستقبال الحميم الذي يحظى به فيها، إلا انه يحمل كرها للعرب يعمي بصيرته، وهو لا يخفي ذلك في تصريحاته المتكررة والعلنية. كان من دعاة الحرب على العراق ومن مؤيدي احتلاله بل وشارك في ذلك. وعندما بدأت عملية طوفان الأقصى، وكشفت عجز جيش الاحتلال عن التصدي لها، أطلق تصريحا شهيرا اكد فيه مرة اخرى حقده الدفين على الفلسطينيين، حيث دعي إلى ضرب غزة بقنبلة نووية على غرار القنبلتين اللتين ألقتهما الولايات المتحدة على هيروشيما ونغازاكي. وقال في هذا السياق ان ذلك الإجراء أنهى الحرب العالمية الثانية بانتصار الولايات المتحدة، وادعى ان فعلا مماثلا يمكن ان ينهي مشكلة غزة إلى الأبد على حد تعبيره. وانتقد كل محاولة لإيقاف تسليح الكيان المحتل بكل الأسلحة وحتى المحظورة.
هذا الشخص هو من قادة الحزب الجمهوري ورشح نفسه للرئاسة في السباق ما قبل الأخير، ثم عندما لم يتمكن من جمع التأييد الكافي انسحب من المنافسة وانضم إلى معسكر ترامب، وظل بوقا له حتى اللحظة.
يوم امس بعد ان تناقلت الاخبار الأمريكية ان واشنطن تسعى لاصدار قرارات قضائية ضد قادة حماس وعلى رأسهم السيد يحيى السنوار، تحدث هذا السياسي الفاشل من على شاشة فوكس نيوز الأمريكية (التي لا تختلف في توجهاتها الصهيونية عنه)، موجها كلامه للمقاومة في غزة ولرئيس المكتب السياسي لحركة حماس المجاهد السنوار، قائلا (إذا ما فاز الحزب الجمهوري في الانتخابات القادمة سوف لن نحاكمك وانما سنقتلك.. ايامك معدودة يا صديقي). هذا التصريح، الذي ليس فيه ما هو جديد بالنسبة إلى السياسة الأمريكية أو إلى مواقف غراهام، لا يعتبر فقط في عرف القانون دعوة صريحة للقتل وبدون اية محاكمة، وانما يعبر بوضوح عن عقلية الإدارات الأمريكية وطريقة تعاملها مع حركات التحرر حول العالم. والتاريخ مليء بجرائم قتل ارتكبتها اجهزة الولايات المتحدة ودول الغرب ضد قادة حركات التحرر حول العالم. ليس من المتوقع ان ترد جهة عربية على هذا التهديد، ولكن المفارقة ان الرد على هذا الادعاء الفارغ جاء بصورة غير مباشرة وفي نفس اليوم على لسان صنوه في حب الإجرام نتنياهو الذي تحدث في مؤتمر صحفي موسع عن اصراره على الاستمرار في حرب غزة حتى يحقق الأهداف التي وضعها بعد 7 اكتوبر، والتي لم يتحقق منها اي شيء سوى قتل اكثر من أربعين الف إنسان في غزة نصفهم من الاطفال والنساء والشيوخ. متابعة دقيقة للمؤتمر تكشف ان نتنياهو لم يستطع ان يقنع مستمعيه بانه قادر على القضاء على المقاومة اولا، وثانيا، وهو الاهم انه اكد ان قدرة المقاومة على المطاولة والاستمرار رغم كل القوة التدميرية التي يمتلكها جيش الاحتلال، او التي تزوده بها الولايات المتحدة، مازالت موجودة. العبارة جاءت في سياق حديثه عن اصراره على عدم التنازل عن شرط البقاء في محور فيلادلفيا، والسبب هو كما قال، ان هذا المعبر يجب ان يكون تحت سيطرة جيش الاحتلال لأنه يوفر لحماس منفذا لتهريب الأسلحة إلى غزة، والاهم والأخطر انه معبر مَكَّنَ ويُمكِنُ مقاومو حماس من الانتقال إلى صحراء سيناء ومهاجمة إيلات والذهاب إلى اليمن للقيام بهجمات على إسرائيل بالاشتراك مع المقاومة اليمنية.
دلالات هذه الكلمة كبيرة، فهي تنسف كل ادعاءات إسرائيل بانها حققت إنجازات في مواجهة المقاومة في غزة، وثانيا تثبت ان الحركة ما تزال قادرة ليس فقط على الاستمرار في القتال، وانما ايضا على تسليح نفسها والتحرك ليس فقط داخل قطاع غزة وانما في خارجه.
اعتراف نتنياهو هذا لم يأت اعتباطا وانما جاء مستندا إلى ادلة كثيرة أهمها ان رغم كل مدة القتال فان المقاومة مازالت تمتلك الأسلحة التي تستطيع ان تواجه بها جيش الاحتلال، وان المقاومة نجحت في نقل المواجهة إلى الضفة الغربية، والان يعترف نتنياهو ان المقاومة قادرة على التحرك خارج فلسطين وصولا إلى اليمن ولبنان والجولان. في ظل هذه المعطيات كيف بإمكان سياسي فاشل ان ينفذ تهديده بتصفية قائد هذه المقاومة إذا كان جيش الاحتلال بكل جبروته لم يستطع ان يفعل ذلك؟
على الجانب الاخر فان غراهام شأنه شأن القادة الصهاينة يعتقدون أنهم إذا ما قتلوا قادة المقاومة فإنهم سينهون حركاتهم، وتفكيرهم العنصري الإجرامي هذا يجعلهم غير قادرين على ادراك حقيقة ثابتة تقول ان المقاومة استطاعت وتستطيع ان تجد البديل عن كل قائد لها يستشهد او يُسجن. كما ان الأحداث اثبتت في كثير من الأحيان ان البديل كان افضل من الذي سبقه، وحركة المقاومة في غزة خير دليل على ذلك.
أضف إلى ذلك عندما تقول حماس بانها في ظل الحرب التي لا تبقي ولا تذر التي يشنها جيش الاحتلال، استطاعت الحركة ان تضيف ما لا يقل عن ثلاثة آلاف مقاوم جديد لصفوفها، وان هناك اعداد اخرى تحت التدريب، وان كل التقارير التي تنشر عن ما يجري في غزة والضفة الغربية تقول ان الإجرام الاسرائيلي نجح في خلق جيل جديد من المقاومين يحمل في داخله ليس فقط الاصرار على انهاء الاحتلال، وانما يضاف لها الرغبة في الثأر لأباءهم وأمهاتهم وعوائلهم التي قتلت امام أعينهم، ولمساكنهم وإحيائهم التي هدمت ودمرت فوق رؤوسهم، وكل هذه الدلائل تؤكد ان قضية فلسطين وشعبها ستبقى حية لعقود قادمة.
اما المفاهيم الأمريكية المعوجة التي لم تر او تجد في قتل وجرح اكثر من مائة وخمسون الف فلسطيني، جرائم تستحق المحاسبة، وما زالت تعمل كل ما في وسعها لمنع المحكمة الجنائية الدولية من اصدار أوامر إلقاء قبض على نتنياهو ووزير دفاعه، فانها تعكس بصورة واضحة نفس السياسة الأمريكية التي تسببت في قتل اكثر من عشرين مليون إنسان حول العالم على يد الأجهزة العسكرية والاستخبارية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثاني ولحد الان. لكن الاصرار الأمريكي على دعم الاحتلال بكل أنواع الأسلحة التي مكنته من ادامة الحرب وعمليات القتل والتدمير اليومي، والذي يؤكد كل الخبراء العسكريين ان جيش الاحتلال لم يكن ليتمكن من الاستمرار طوال هذه المدة بدونه، لن يغير من الحقيقة التي تقول ان اصرار اي شعب على انهاء الاحتلال هو الذي سينتصر في النهاية ومهما طال الزمن. وان ليندسي غراهام وامثاله كثيرون انتهوا واختفوا عن الساحة وظلت قضية فلسطين حية وقادرة على إثبات وجودها بفضل سواعد وتضحيات ابنائها.