صحافة ورأي

ما هي التحديات التي تنتظر الرئيس ترامب؟ ولماذا يحاول دائما إظهار عضلاته على الدول العربية فقط؟ وهل ستفسد غزة واهلها فرحته بالعودة الى البيت الابيض؟

د. سعد ناجي جواد

منذ أن نجح الرئيس ترامب في الانتخابات والعودة إلى الرئاسة ثانية في بداية هذا العام، وبفوز ساحق، حتى كشر عن أنيابه وبدا يتصرف وكأنه الحاكم المطلق، أو ذلك الذي لا وجود لقوة قادرة على كبح جماحه أو مناقشة ما يقوم به داخل اميركا. هذا الشعور جعله أيضا يعتقد انه قادر على استخدام نفس الأسلوب دوليا. وفي هذا المجال تجاوز حتى الأصول الدبلوماسية في التعامل مع الدول الاخرى.  فهل سيستطيع الاستمرار في هذه السياسة؟ وماهي احتمالات أو بالأحرى عقم الأساليب التي يهدد بها والعنجهية التي يستخدمها؟ وما هي التحديات التي تنتظره؟

ربما أكثر تأثير مضر على الرئيس الجديد هو اعتقاده أن نجاحه في إصدار تشريعات أمريكية بسرعة البرق منذ اليوم الأول لتنصيبه، وعدم وجود معارضة تقف في وجهه، سيمكنه من الاستمرار بهذا النهج بسهولة أو إن يستخدم أو أن يفرض نفس الأسلوب دوليا.

لقد ظهرت بوادر طريقة التفكير هذه عنده أثناء حملته الانتخابية، على أساس أنه يريد أن يعيد العظمة لأمريكا، وصدق نفسه وابتهج مناصروه بدون تفكير عميق. وهكذا نجده يقول مثلا أن كندا هي ليست دولة، ولَقّبَ رئيس وزرائها، ب(حاكم كندا) معتبرا إياها ولاية أمريكية. وتجاوز بعد ذلك على الحقوق السيادية لدول أخرى، فاعتبر قناة بنما قناة امريكية (لأن أميركا هي من حفرتها)، وقال أنه سيستردها، أو إن بلاده سوف لن تدفع رسوم أثناء العبور منها. ثم عرج على جزر الغرينلاند المملوكة من الدنمارك وقال إنها يجب أن تلحق بالولايات المتحدة. ثم تحدث عن زيادة الضرائب على المنتجات الصينية التي تدخل أميركا. ثم أصر على غلق باب الهجرة وإعادة كل المهاجرين غير القانونيين إلى دولهم وبأسرع وقت.

ولم ينتظر قادة هذه الدولة الذين أثبتوا أنهم يتمتعون بقدر كافٍ من احترام أنفسهم وتاريخهم وبلدانهم وشعوبهم، لكي يردوا عليه مباشرة رافضين ما يدعيه. فرئيس بنما قال إن القناة بنمية وعلى أي طرف يريد المرور فيها أن يدفع الرسوم المحددة، ومملكة الدانمارك رفضت فكرة التنازل عن غرينلاند وقالت إن الجزيرة ليست للبيع، أما الرئيس الكولومبي، الذي قام ترامب بإرسال طائرة عسكرية إلى بلاده مليئة بالمهاجرين غير الشرعيين، فلقد قام بإعادة الطائرة إلى الولايات إلى قائلا أن هؤلاء بشر ويجب التعامل معهم بطريقة إنسانية، وقام الشعب الكندي بوضع يافطات على حدود بلادهم مع أميركا كتب عليها (كندا ليست للبيع). وأظهرت المكسيك تحديا مشابها. أما الصين ففاقد هددت بفرص رسوم مشابهة على المنتجات الأمريكية المصدرة.

وعلى الرغم من أن هذه المواجهات لم تحسم بعد، ولكن ردود الفعل هذه مثلت بداية التحدي لجزء مهم من أحلام ترامب الخارجية.

التحدي الآخر للرئيس الجديد هو الداخلي، والذي يتجاوز في خطورته التحديات الخارجية، لسبب بسيط أن فشله في مواجهته يمكن أن ينهي فترة رئاسته بصورة مبكرة. قد يتصور البعض أن هناك مبالغة في هذا القول، لكن هذا الإحتمال يبقى واردا، إلا إذا خفف الرئيس من استهانته بالمواقف المعارضة له. خاصة وأنه بدأ يستفز أجهزة معروفة بعراقتها وبتجذرها. فمثلا أن يضع على رأس  وزارة الدفاع والمؤسسة العسكرية شخصا لا علاقة له بتقاليدها ولا يحترم تراتبيتها، فهذه قضية فد تنقلب ضده في أية لحظة، خاصة بعد أن أدلى الوزير تصريحات أثارت السخرية لدى الناس والمختصين. أصلا إن ترشيح هذا الوزير كان قد قوبل بمعارضة نواب وشيوخ من الحزب الجمهوري نفسه ومن داخل البنتاغون. ورغم أنه نجح في تمرير الترشيح إلا أن الانتقادات ما زالت مستمرة ووصلت إلى بعض الصحف المهمة. ونفس الشيء قد يحصل في وزارة الخارجية بعد أن أمر الرئيس الوزير الجديد أن يعزل أكثر من 120 سفيرا وتعيين موالين له في 400 وظيفة، وكذلك تعيين صديقة ابنه التي تساكنه، سفيرة في الوزارة رغم عدم امتلاكها أية خبرة في هذا المجال. يضاف إلى ذلك خطته لإعادة هيكلة الموظفين في البيت الأبيض وإخراج أشخاص لهم تاريخ في هذه المؤسسة، بدأت بتعيين شابة صغيرة السن (26 عاما) كمتحدثة باسم البيت الأبيض وإحالة آخرين مخضرمين على التقاعد، (في أول ظهور لهذه المتحدثة رددت  ادعاءات غير صحيحة ومضحكة صدرت عن الرئيس، مما أثار حتى الصحافة عليها). إن كل هذه القرارات، ومن ضمنها قراره بإصدار عفو عن مدانين من قبل المحاكم، اعتبرت داخليا بمثابة محاولة انقلابية، أو في الحد الأدنى محاولات لتهميش وزارتي الدفاع والخارجية، وملئهما بأشخاص أقل كفاءة ولكنهم موالين له. ولا أحد يدري كم سيدوم سكوت أجهزة الدولة، وخاصة المتنفذة، والصحافة معهما؟ واذا ما أضفنا إلى ذلك تهديداته لأوروبا ولأعضاء حلف الناتو وعودته للتعامل معهم كمرابي يحاول استنزافهم ماديا، فإن مساحة المشاكل التي سيواجهها ستزداد اتساعا وستصعب مهمته في فترته رئاسته الثانية.

ويبقى التحدي الأكبر له هو ما يخططه للعرب وبالذات لأبناء غزة، أو ما طرحه ويتصوره حلا للمشكلة الفلسطينية وللصراع في الشرق الأوسط. ليس خافيا أن الرئيس، شأنه شأن كل الرؤساء السابقين، يدعم إسرائيل بصورة مطلقة. وأنه أعلن مسبقا بأن مساحة اسرائيل صغيرة ويجب أن توسع، وقام بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وأنه اتخذ بعد وصوله للبيت الأبيض قرارا برفع الحظر عن تزويد إسرائيل بالقنابل العملاقة، وغير ذلك كثير. كما أنه نجح في الحصول على مكتسبات مادية وبدون مقابل من المملكة العربية السعودية لا يستحقها لا هو ولا دولته بسبب الموقف السلبي من القضايا العربية، وإصراره على ذكر القادة العرب المتعاونين معه بطريقة ساخرة وبإستهزاء. لكن يبقى الحل الذي طرحه مؤخرا والذي يقوم على فكرة تهجير أبناء غزة إلى مصر والأردن ودولا إقليمية أخرى (شملت حتى البانيا)، هو ما يمكن أن يكون المعيار أو التحدي الأكبر لسياسته كلها، أو بكلمة أدق أن هذا الحل يمكن أن يكون المقياس الذي سيحدد مستقبله، فإما أن ينجح فيه ويُثَبت نفسه كرئيس بصلاحيات غير مسبوقة، أو يقوم أبناء غزه بتوجيه صعقة كهربائية له تعيد له توازنه.

ابتداءا لا يمكن لأي عاقل أن يفكر بهذا الحل وبهذه الطريقة دون أن تقفز إلى ذهنه صورة مئات الألوف من الفلسطينيين وهم يعودون سيرا على الأقدام إلى ديارهم، أو وهم على حالتهم المزرية ينشدون أهازيج العيد ومراسيم حج بيت الله الحرام، ( ولو كنت من القادرين على اصدار الفتاوى الدينية والشرعية لأفتيت باعتبار كل من عاد إلى بيته ضمن هذه المسيرة حج إلى بيت الله الحرام، كيف لا وإنهم انتظروا في العراء ليالي طويلة وكلهم أمل في أن يعودوا وينصبوا خيامهم الممزقة من القصف الاسرائيلي التي حملوها على ظهورهم،  أمام منازلهم المدمرة ويصلوا صلاة الشكر لله حسب أقوالهم). أقول هل يعتقد السيد ترامب أن شعب عظيم كهذا يمكن أن يرحل عن أرضه ويكون لاجئا في غيرها؟ أو أن يصدق كذبة (نخرجكم ونبني غزة ونعيدكم)؟ وهل أن المقاومة التي صمدت خمسة عشر شهرا على (خطة الجنرالات) التي سوت مدنهم وكل ما فيها بالأرض ستوافق على ذلك؟

لقد كان الرد العربي الأولي من مصر والأردن قاطعا، وكذلك فعلت دولا أخرى. ولكن الرئيس ترامب ما زال مصرا على إن مصر والأردن سيستقبلان الغزيين، فهل سيلجأ إلى تطبيق هذه الخطة بالإكراه والتهديد ويحرج أهم حليفين له ويشعل كل المنطقة بحروب أهلية؟ وهل سيستمر في الاعتقاد ان يمكن أن يفعل ذلك بتدخل أمريكي مباشر لعجز جيش الاحتلال الذي أنهكته المقاومة؟ في هذا المجال من المفيد التذكير فقط أنه عندما تحدى الرئيس ترامب كوريا الشمالية في السابق ووجد أنها غير مستعدة للتراجع عن برامجها قدم لها تنازلات كثيرة، وهذا دليل على أن من يُظهر له قدر من التحدي يستطيع ان يجبره على التراجع.

كُتب الكثير عن نهاية الإمبراطورية الامريكية، إلا أن ذلك لم يتحقق، ولكن التحديات الثلاث التي ذكرت أعلاه ربما تكون البداية لذلك الانهيار، أو البداية لعملية إزاحة الرئيس الأمريكي من السلطة قبل نهاية ولايته، والله أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى