صحافة ورأي

العملاقان الروسي والأمريكي يحققان في الرياض خطوة تقاربية أولى موفقة

د. أيمن أبو الشعر

• موسكو وواشنطن تتفقان على إحياء العلاقات الدبلوماسية والتعاون في مختلف المجالات بما في ذلك الاقتصادية والجيوسياسية

• تم الاتفاق على تشكيل فريقين لمتابعة العمل للوصول إلى اتفاق لتكريس التسوية السياسية في أوكرانيا

كل الدلائل تشير إلى أن لقاء الوفدين الروسي والأمريكي في الرياض كان إيجابيا، وشكَّل ليس خطوة نحو الأمام وحسب، بل قفزة نوعية إذا ما قيس بمدى تدهور العلاقات بين هذين البلدين النوويين خلال السنوات الأخيرة، حتى ليبدو للمتابع أنه كان لدى الرئيس الأمريكي بايدن موقف سلبي من الرئيس بوتين، وربما هو موقف حاقد منذ سنوات عديدة حتى قبل الحرب في أوكرانيا، فقد وصل تردي العلاقات بين موسكو وواشنطن حدَّ تجميد العلاقات الدبلوماسية، عدا عن آلاف العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا أيام ترامب، ناهيك عن أنها استعْدَت أوروبا كلها تقريبا ضد روسيا، حيث فرضت أوروبا بدورها فرضت بدورها آلاف العقوبات على روسيا، من هنا فإن انعقاد هذا اللقاء بحد ذاته يعتبر خطوة إيجابية أما نتائجه فتشير إلى أنه خطوة إيجابية جدا، يمكن أن نستقي ذلك من تصريحات رئيسي الوفدين والأجواء المرافقة.

لافروف يؤكد تحقيق تقدم نوعي

نستطيع أن نستشف بعض الجوانب الإيجابية والواعدة من تصريحات وزير الخارجية الروسية لافروف حيث أعلن عن خطوة نوعية مميزة في أن موسكو وواشنطن اتفقتا على تبادل تعيين السفراء فيما بينهما في أقرب وقت ممكن، إضافة إلى إزالة العقبات بشأن عمل البعثات الدبلوماسية، مضيفا بأن اجتماع الرياض كان معنيا بوضع الأسس للقاء الرئيسين بوتين وترامب، منوها في غضون ذلك بأن موسكو تلمس مدى جدية واشنطن في تحقيق تقدم في العلاقات مع روسيا، أي تحديدا عكس توجهات الرئيس بايدن الذي كان مستعدا أن يطلق النار على قدميه إن كان في ذلك ما يزعج روسيا.

وحول القضية المحورية أكد لافروف أن الوفدين اتفقا على أن يحدد الأمريكيون ممثليهم وستقوم روسيا بالأمر ذاته من جانبها بحيث تبدأ بعد ذلك مشاورات منتظمة بعد أن يعين الجانبان فريقي التفاوض وأت تتم التسوية السلمية في أوكرانيا في المستقبل القريب، في غضون ذلك وفي إطار إثارة بعض المواضيع الحساسة ربما لجس النبض اقترح الجانب الأمريكي خلال المباحثات فرض حظر على أية هجمات تطال منشآت الطاقة، مما دفع بالجانب الروسي إلى التأكيد بأن القوات الروسية لا تستهدف أنظمة الطاقة المدنية، بل تلك المنشآت التي تقدم الخدمات للقوات الأوكرانية المسلحة.

زد على ذلك أن موسكو وواشنطن حسب لافروف اتفقنا على ضرورة عدم إثارة الصراعات، بل السعي لحل الصراعات الموجودة وضرورة عدم إثارة أية مواجهات عسكرية أو غير ذلك بين البلدين.

كما نفى الوزير الروسي ما نقلته بعض التقارير حول وجود خطة روسية أمريكية من ثلاث مراحل بشأن تسوية الأوضاع في أوكرانيا، حيث أوضح بلغة دبلوماسية أنه لم يطلع على مثل هذه التقارير، الجدير بالذكر أن شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية كانت قد أعلنت في حسابها على منصة اكس نقلا عن بعض المصادر أن موسكو وواشنطن اقترحتا خجة سلام من ثلاث مراحل تشمل وقف إطلاق النار ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا ثم التوقيع على اتفاق نهائي، الجدير بالذكر أن كلا من موسكو وواشنطن تؤكدان على ضرورة إجراء انتخابات في أوكرانيا لكي يكون الرئيس الأوكراني شرعيا يستطيع أن يوقع على اتفاقية السلام.

زد على كل ذلك أن لافروف أعلن ان موسكو وواشنطن اتفقتا على ضرورة إزالة العقبات أمام التعاون الاقتصادي الذي يحقق منفعة متبادلة، والقيام بما يمكن لتوحيد الجهود في المجالات الجيوسياسة والاقتصادية وإزالة كل العقبات المصطنعة لتطوير التعاون بين البلدين، بما في ذلك حل مشكلة تجميد الممتلكات الروسية في الولايات المتحدة، وقيود التحويل المصرفية، وقد وصف لافروف المباحثات بأنها مفيدة جدا.

وزير الخارجية الأمريكية كان متفاعلا وإيجابيا أيضا

من جانبه أكد وزير الخارجية الأمريكية عمليا ما جاء على لسان الوزير الروسي، منطلقا من أن على كل دولة أن تسترشد بمصالحها الوطنية، وأكد على أن الجانبين اتفقا على استئناف عمل السفارتين بكامل طواقمهما، وتشكيل آلية تشاورية لاتخاذ الخطوات اللازمة لتطبيع عمل البعثات الدبلوماسية والتي ستعمل على مواصلة المباحثات حول الشأن الأوكراني الذي ركز الوزير الأمريكي على أن العمل جار على إنهاء هذا النزاع، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه لا بد من تقديم تنازلات لإنهاء الأزمة الأوكرانية بشكل مستدام على أن يكون حل المشكلة بطريقة مقبولة من الجميع.

عموما يمكن باختصار توضيح ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكية روبيو في أربعة نقاط رئيسية وهي:

-إعادة تأسيس البعثات الدبلوماسية في موسكو وواشنطن بحيث تؤدي عملها بشكل طبيعي

– القيام بتعيين فريق أمريكي رفيع المستوى للتفاوض والعمل على إنهاء الصراع في أوكرانيا بشكل دائم ومقبولة من جميع الأطراف المعنية.

-بدء دراسة التعاون الجيوسياسي والاقتصادي بعد إنهاء الصراع في أوكرانيا

-متابعة العملية التي بدأت في الرياض والمضي بها قدما لتكون مثمرة على أرض الواقع.

كما نوه بأن العقوبات المفروضة على روسيا جاءت نتيجة هذا الصراع الذي يتم السعي حاليا لإنهائه وتحقيق عدالة مستدامة، ولهذا على الجميع تقديم تنازلات، وأن على الاتحاد الأوروبي في مرحلة قادمة الانخراط في المفاوضات مع روسيا كونه فرض أيضا عقوبات عليها..

تصريحات مرافقة لكنها بالغة الأهمية

أوضح مستشار السياسات الخارجية في الرئاسة الروسية يوري أوشاكوف أن المباحثات جرت بشكل مقبول، وأن وفدي البلدين سيواصلان محادثاتهما في الشأن الأوكراني لاحقا، منوها في غضون ذلك بأن لقاء الرئيسين بوتين وترامب لن يحدث في القريب العاجل، وأن الرئيس بوتين سيختار الشخصيات المناسبة لفريق التفاوض، من جانبه نوه مايك وايلتز مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي بأن النقاش تطرق إلى الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا، وبأن الضمانات لأوكرانيا تقع على عاتق أوروبا، مشددا على أن الأهم في كل ذلك هو أن الرئيس ترامب ينوي حقا إنهاء هذه الحرب التي يقتل في الناس بلا معنى. كما أكد ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأمريكي إلى الشرق الأوسط أن المباحثات كانت إيجابية وتستند إلى الحلول التي يتم السعي لتحقيها

ولا بد من الإشارة إلى أن لافروف التقى بولي العهد الأمير محمد بن سلمان حيث تم تطرق الحوار إلى ضرورة بدء تطبيق الاتفاقات الثنائية للتطوير الشامل للعلاقات بين روسيا والمملكة العربية السعودية، وتم تبادل وجهات النظر حول الجهود الرامية إلى تكريس الاستقرار والأمن في العالم إلى جانب تناول التطورات الإقليمية، وأن على أوروبا أن تضطلع بالضمانات المحتملة لأوكرانيا، مما يعني بأن الجانبين الروسي والأمريكي حققا خطوة تقاربية جدية في هذا اللقاء، الأمر الذي تنظر إليه أوروبا وحتى أوكرانيا اللتين استبعدتا عن حوار الرياض بعيون غاضبة مستنفرة، على أن لذلك تناولا آخر قريبا إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى