
• ترامب يعتبر أن الاتحاد الأوربي تأسس كي يلحق الضرر بالولايات المتحدة، وشركاء الولايات المتحدة الغربيون لن يعتبروها بعد اليوم حليفا موثوقا
معادلة جديدة تظهر لأول مرة
معادلة مستجدة ظهرت بنفسها في أروقة العلاقات الدولية كظاهرة ملفتة للنظر، كرس جوانبها الأوربيون أنفسهم في البداية من خلال دعمهم الواضح لبايدن والتعبير المبطن عن عدم ارتياحهم لترامب الذي جاء لينسف الخطوات المتزامنة والمتطابقة لسلفه وأوروبا التي كانت تتمثل وتنفذ ما يخطه البيت الأبيض أبان بايدن وخاصة ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية حيث كانت بروكسل أشبه بمغارة تتردد فيها أصداء كلمات وعبارات البيت الأبيض، من هنا شعرت أوروبا أن ترامب سيشكل خطرا على توجهاتها في الرغبة باستمرار الحرب، أملا بأن تحقق نصرا استراتيجيا على روسيا حسب تصريحات الزعماء الغربيين أنفسهم، الأمر الذي رأى فيه ترامب وهما غبيا، وقد بدأ ترامب بتحسين العلاقات مع بوتين الذي تعتبره أوربا غازيا ومستعمرا، ما أثار حفيظتها، ثم لم تلبث أن عبرت عن امتعاضها من تجاهلها تماما حيث عقدت الحوارات في الرياض بين الوفدين الأمريكي والروسي برئاسة وزيري الخارجيتين دون حضور أوروبا ولا حتى أوكرانيا حتى كمراقبين، ما أجج الوضع وعبرت التصريحات الأوربية عن الامتعاض الشديد مؤكدة أنه لا يمكن أن تجري مفاوضات تتعلق في نهاية المطاف بأمن أوروبا كلها مع تهميش أوروبا وتجاهلها تماما.
الخطوة التقاربية الثانية في اسطانبول
كانت موسكو قد نوعت بأن لقاء قريبا سيجري في اسطانبول له أهمية خاصة فماذا حدث، الذي حدث أن الطرفين الروسي والأمريكي خططا مسبقا لعقد لقاء وحوار ناجحين وبالغي الأهمية لأن الحوال يتركز على إزالة العقبات التي وضعها بايدن في طريق العلاقات الروسية الأمريكية ولهذا فإن الهدف هو في الواقع إزالة آثار العدوان الذي شنته الإدارة الأمريكية السابقة والسعي لتطبيع العلاقات مجددا بين البلدين بمعنى آخر دراسة الخطوات العملية التي يجب اتخاذها من الطرفين على الصعيد الدبلوماسي، وقاد الحوار الكسندر دارشييف مدير إدارة شمال الأطلسي في وزارة الخارجية الروسية، ومساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأوربية والأوراسية سوناتا كولتر.
المهم في الأمر أن الخارجية الروسية رأت أن المباحثات كانت مفيدة وعملية، وقد تم الاتفاق على تهيئة الظروف لدوبلوماسيي البلدين لأداء واجباتهم بالشكل الأمثل وتجاوز التوتر في العلاقات، والعمل بما يخدم مصالح الشعبين والتغلب على العقبات التي وضعتها الإدارة الأمريكية السابقة، كما تم تناول مسألة إعادة العقارات الدبلوماسية الروسية التي تم الاستيلاء عليها سابقا بغير وجه حق، واقترح الجانب الروسي استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين والمثير والإيجابي جدا أن الخارجية الأمريكية أصدرت بيانا أكدت فيه أن المباحثات كانت بناءة، أي أن موسكو وواشنطن قررتا أن يعيدا علاقة صداقة وتفاهم بينهما، في حين تتابع أوروبا النهج العدائي حيث أقرت قبل أيام معدودة الحزمة السادسة عشرة من العقوبات على روسيا وجاءت واسعة وقاسية وترافقت مع تقديم المساعدة المالية لأوكرانيا، والتأكيد على متابعة دعمها في جميع المجالات بما في ذلك العسكرية.
تصاعد التوتر في العلاقات الأوربية الأمريكية
هذا النجاح وإن كان نسبيا في السعي لتحسين العلاقات بين موسكو وواشنطن استنفر الاتحاد الأوروبي، وعلى مبدأ مصائب قوم عند قوم فوائد اتخذ الاتحاد الأوربي هذه المرة موقفا داعما للفلسطينيين، ورافضا بشكل حاسم لمقترح ترامب تهجير سكان غزة، كما أن الزعماء الأوربيين سارعوا إلى الاجتماع في باريس تحديدا على خلفية التقدم الإيجابي في التفاهمات بين موسكو وواشنطن، وفي الوقت الذي جمد فيه ترامب المساعدات لأوكرانيا لثلاثة أشهر بقصد التدقيق نتيجة شكوك بشأن مصير قسم كبير منها، أكد الأوربيون ضرورة استمرار وتوسيع الدعم العسكري لأوكرانيا، ومن بين الخطط الأوربية تزويد أوكرانيا بمليون ونصف المليون قذيفة مدفعية، إضافة إلى الصواريخ عالية الدقة، والطائرات المسيرة، وأنظمة دفاع جوي متطورة، ولم يخف الزعماء الأوربيون العشرة الذين اجتمعوا في باريس أنهم أرادوا تحديد رد مشترك يضمن أمن أوروبا ومواجهة تسارع تحرك الإدارة الأمريكية الجديدة مع موسكو في إطار تسوية النزاع الأوكراني، فقد شعروا بأنهم أُهملوا تماما، واستُبعدوا عن المفاوضات، وأُوكل لهم فقط تأمين قوات حفظ سلام لنقلها إلى أوكرانيا بعد توقيع وثيقة سلام بين روسيا أوكرانيا، وقد ذهب ترامب أبعد من ذلك بإعلانه بصراحة أن الاتحاد الأوروبي تم تأسيسه أساسا ليُلحق الضرر بالولايات المتحدة، وتوعد الأوربيين بفرض رسوم جمركية جديدة بواقع خمسة وعشرين بالمئة من أسعار البضائع الأوربية، وقد استنفر الاتحاد الأوروبي الذي أعلن أنه سيرد بحزم على ترامب ، ووصل الأمر إلى أن شبكة “إن بي سي” نقلت عن دبلوماسيين غربيين قولهم أن شركاء الولايات المتحدة لن يعتبروها بعد اليوم حليفا موثوقا يمكن الاعتماد عليه إثر الخطوات التي اتخذها إزاء روسيا.
لا ضرورة لحضور أوروبا ولا حتى أوكرانيا في المفاوضات
بدا الموقف الأمريكي أكثر موضوعية في استبعاد الأوربيين وحتى الرئيس الأوكراني نفسه عن المفاوضات حيث أكد الرئيس ترامب أن حضور زيلينسكي سيشكل إعاقة للتوصل إلى اتفاق، وسيجعل إبرام اتفاق أمرا صعبا جدا، وحتى بالنسبة للاتحاد الأوروبي أوضح كيث كيلوغ المبعوث الأمريكي الخاص إلى أوكرانيا أن واشنطن لا تريد مشاركة مجموعة كبيرة من الأطراف في المفاوضات بشأن تسوية الأزمة الأوكرانية، يقصد كما هو واضح أن كثرة الأطراف تُعقد وتُعيق التوصل إلى حل، أما موسكو فقد انطلقت من أن ممارسات أوروبا العدائية تجاه روسيا يجعلها غير مرغوبة فيها لحضور المناقشات، حيث أعلن لافروف وزير الخارجية الروسية أن أوروبا ظلت على مواقفها، وهي لا تريد السلام وتسعى لتصعيد الأزمة وتستمر بتشجيع كييف، حتى أن رئيس وزراء الدانيمارك أعلن بوضوح أن السلم بالنسبة لأوكرانيا أسوأ من الحرب، حتى أن بوليانسكي نائب ممثل روسيا الدائم في الأمم المتحدة قال بما لا يخلو من التشفي أن أوروبا برغبتها في استمرار الحرب جعلت نفسها خارج المفاوضات بنفسها، وأن عليها أن تقف بعيدا حين تجري المفاوضات وتنظر إليها فقط، كما أعلنت الخارجية الروسية أن أوروبا التي اختارت نهج العسكرة فقدت حق المشاركة في المفاوضات، في الوقت الذي ظهرت فيه تغييرات جدية في المواقف لدى غالبية دول العالم التي تود المساعدة في إنهاء النزاع بأسرع ما يمكن، ففي الوقت الذي دعمت الدول الأوربية قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يعتبر روسيا معتدية، ويطالب بسحب قواتها فورا، طرحت الولايات المتحدة مشروع قرار بديل هادئ الصياغة يطالب بالعمل بالسرعة الممكنة على إيقاف الحرب، وقد أيدته الصين وروسيا التي اعتبرته خطوة في الاتجاه الصحيح، وامتنعت الدول الأوربية عن التصويت عليه، وهي سابقة خطيرة في إطار العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
بقي أن أشير إلى أن ما يزيد من غضب وتوقد الزعماء الأوربيين هو أن الرئيسين الأمريكي والروسي باتا يتحدثان كل واحد عن الآخر بكثير من الود والتقدير الكبير حيث اعتبر ترامب الرئيس بوتين ذكيا جدا وأنه واثق من إمكانية التوصل معه إلى اتفاق في حين اعتبر بوتين أن ترامب يتعامل مع الصراع بين روسيا وأوكرانيا بموضوعية ولا ينطلق من مواقف عاطفية.