كتب الكاتب والمحلل السياسي رامي الشاعر مقالاً في بداية العام الحالي وتحديداً بتاريخ 9 كانون الثاني 2023 تحت عنوان “عام 2023 عام فلسطين ووفد مكون من جميع وزراء الخارجية العرب برئاسة الرئيس محمود عباس لإحياء الرباعية الدولية” ولأهميته نعيد نشره هنا :
لا شك أن الدورة الـ 31 لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، والتي عقدت في الجزائر العاصمة 1 و2 نوفمبر من العام الماضي، حملت الكثير من الأمل بتأكيدها على مركزية القضية الفلسطينية، لتصبح بحق قمة “لم الشمل” كما اختار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لها عنوانا ملهماً ومؤثراً.
وقد ساقتني الظروف من قبل، من خلال عملي الدبلوماسي ونشاطي السياسي والإعلامي، أن أتشرف بالمشاركة في الوفد الفلسطيني الذي ترأسه حينها الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس، ضمن وفد اللجنة السباعية التي كانت برئاسة جلالة الملك حسين رحمه الله، والتي كانت تضم سبع وفود عربية برئاسة وزراء الخارجية، وكانت مهامها زيارة الدول الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الدولي. ولحسن حظي تمكنت من التعرف عن قرب أثناء التواجد في موسكو وبكين على جلالة الملك حسين وعلى أمير الكويت الراحل رحمه الله، وكان حينها وزيراً لخارجية الكويت، وكذلك على الأمير سعود الفيصل، وغيرهم من وزراء الخارجية، الذين نشأت بيني وبينهم علاقة حميمة تضمنت أحاديثاً واستفسارات كثيرة لديهم عن الاتحاد السوفيتي، والتي كنت أجيب عنها، كوني كنت العسكري الوحيد ضمن الوفد، وخريج أكاديمية عسكرية سوفيتية، ولي تجربة كملحق عسكري آنذاك لفلسطين في موسكو.
أذكر حينها مدى أهمية نشاط ومهام اللجنة السباعية العربية، التي انبثقت عن مؤتمر القمة العربية حينها لإنعاش ودعم نضال الشعب الفلسطيني على الساحة الدولية.
ولما كان الوضع الدولي الراهن بالغ التوتر، وتشي المقدمات بأن هذا العام سيكون عاماً حاسماً على كثير من الأصعدة، لذلك أرى أن يكون التحرك العربي بشأن القضية الفلسطينية نشطاً جداً، وأن تبدأ الدول العربية جمعاء بترجمة قرارات القمة العربية في الجزائر على صورة خطوات عملية بدءا بإنعاش عمل الرباعية الدولية، وأن يرافق هذه الجهود تحركاً على كافة المستويات والأصعدة الرسمية والاجتماعية والثقافية والرياضية والإعلامية، حتى يتردد اسم فلسطين يومياً، ليس فقط على المستوى العربي، ولكن على المستوى الدولي من قبل أصدقاء فلسطين، لتتعزز مكانة وأولوية القضية الفلسطينية في ظل الأجواء الدولية الجديدة، التي ستظهر في النصف الثاني من العام الحالي.
لهذا أتمنى اليوم، وعلى غرار تلك اللجنة السباعية التي أسلفت الحديث عنها، أن يتم تشكيل وفد عربي من جميع وزراء الخارجية العرب يترأسه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يشرع منذ بداية العام على الفور بزيارة روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لإحياء اللجنة الرباعية الدولية التي تأسست عام 2002 في مدريد لتيسير مفاوضات عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث رحب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قراره رقم 1397 لعام 2002 بالمجموعة الرباعية عقب اندلاع الانتفاضة الثانية، واجتمعت الشخصيات الرئيسية في المجموعة: الممثل السامي للاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن، ووزير خارجية روسيا والأمين العام للأمم المتحدة ووزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في أكثر من 50 مناسبة منذ عام 2022، من أجل إعطاء دفعة لخارطة الطريق المستندة إلى إيجاد حل دائم على أساس وجود دولتين.
وما نحتاجه اليوم هو الاسترشاد بما نصت عليه نتائج القمة العربية من التأكيد على التمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها وأولوياتها، والالتزام بالسلام العادل والشامل كخيار استراتيجي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية، بما فيها الجولان السوري ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية، وحل الصراع العربي الإسرائيلي على أساس مبدأ الأرض مقابل السلام والقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
والتشديد على ضرورة مواصلة الجهود والمساعي المشتركة الرامية لحماية مدينة القدس المحتلة ومقدساتها، والدفاع عنها في وجه محاولات الاحتلال والتهويد المفروضة والمدانة لتغيير ديمغرافيتها وهويتها العربية الإسلامية والمسيحية والوضع التاريخي والقانوني القائم بها، والتأكيد على الوضع الخاص للقدس، مهد الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلامية. بما في ذلك عبر دعم الدفاع عن مدينة القدس ومساندة صمود أهلها.
ولعله من المدهش ألا تدرك واشنطن وتل أبيب أن قضية القدس تعد من مقدسات العالم الإسلامي والمسيحي المحظورة، التي لا يجوز العبث بها، وأن القدس الشرقية معترف بها من الغالبية الساحقة من العالم، ومثبتة بقرارات من الأمم المتحدة، والأهم من كل ذلك أنه من رابع المستحيلات أن يتخلى الشعب الفلسطيني وسكان القدس عن عاصمتهم الأبدية.
إلا أن ذلك يرى المرء له مبرراً فيما نتابعه من تكرار حماقة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل و”الناتو” فيما يظنونه من أوهام “النصر الأوكراني” و”استعادة القرم”، وغيرها مما يبيعونه للعالم، ويضحون من خلاله بالشعب الأوكراني والدولة الأوكرانية. فهل يعقل أن تهزم روسيا؟ أو أن تخضع مجموعة “البريكس” للإملاءات الأمريكية وتتراجع عن مسار التعددية القطبية. لهذا أكرر أن هذا العام هو عام الحسم، وسوف تكون نتيجته نهاية أوهام استمرار الهيمنة الأمريكية على العالم، ولسوف تؤيد كل دول العالم حق الشعب الفلسطيني، وتعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس.
كذلك تنبغي المطالبة برفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة وإدانة استخدام القوة من قبل السلطة القائمة بالاحتلال ضد الفلسطينيين وجميع الممارسات الهمجية بما فيما الاغتيالات والاعتقالات التعسفية والمطالبة بالإفراج عن جميع الأسرى والمعتقلين.
التأكيد على تبني ودعم توجه دولة فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ودعوة الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين للقيام بذلك، مع ضرورة دعم الجهود والمساعي القانونية الفلسطينية الرامية إلى محاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي اقترفها ولا يزال في حق الشعب الفلسطيني.
إن تشكيل وفد عربي من جميع وزراء الخارجية العرب برئاسة الرئيس محمود عباس يهدف إلى تنشيط وإنعاش عمل اللجنة الرباعية في ضوء الاهتمام الذي أوضحه المبعوث الخاص لوزير الخارجية الروسي لشؤون التسوية الشرق أوسطية فلاديمير سافرونكوف في حواره المنشور على موقع وزارة الخارجية الروسية الأسبوع الماضي، والذي يعكس مدى اهتمام روسيا وتطابق رؤيتها مع رؤانا في العالم العربي. وذلك يصب في دعم نضال الشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الشرعية، لكون اللجنة الرباعية الدولية الصيغة الأكثر فعالية وعملية لحل القضية الفلسطينية، لا سيما وأن هذا العالم سيكون عاماً هاماً وحاسماً في بلورة أوضاع دولية جديدة تنهي هيمنة الأحادية القطبية على النظام العالمي، والتي تستند إليها إسرائيل في المضي قدماً في سياسة التوسع الاستيطاني، وعرقلة أي جهود للتسوية، بل وفي شل عمل اللجنة الرباعية نفسها، من خلال تقاعس الولايات المتحدة الأمريكية، ومحاولاتها في الهيمنة على إدارة ملف التسوية.
لهذا أكرر ما سبق وكتبته في مقالي السابق من أهمية أن تتبنى جامعة الدول العربية إعلان هذا العام “عام فلسطين” تأكيداً لجميع دول العالم على الموقف العربي الموحد، الذي اتخذته الدول العربية في قمة الجزائر العام الماضي.
إن هذا التحرك من شأنه أن يعيد التأكيد على مبادرة الرياض، وعلى موقفنا الملتزم بالسلام العادل والشامل كخيار استراتيجي للدول العربية والذي يتحقق في ظل الشرعية الدولية، تمهيداً لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو حزيران في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية، وحينها تعتبر غالبية الدول العربية النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً.