صحافة ورأي

أرتور الفلسطيني يدعم بجسده حصن غزة الذي لا يقهر – بقلم: د. أيمن أبو الشعر

إن أكثر 31 ألف شهيد ينضمون إلى أرتور الأسطورة في أسوار غزة، وخاصة أطفال غزة الذين يموتون يوميا نتيجة الحصار والجوع، وأكثر من 73 ألف جريح يستعدون للانضمام إلى أرتور، وهم واثقون أن صمود الشعوب أقوى من كل قوى الغدر والعدوان في الواقع خارج الأسطورة.

• إلى أين وصل صب الاسمنت عليك يا أرتور يا حبيبي… إلى عنقي يا أماه… اصمد يا حبيبي فأنت تحمي الوطن

“الإناء ينضح بما فيه” …مثل رائع ينطبق على مجالات عديدة سلبا وإيجابا، وذلك نتيجة الكُنه – الجوهر، المحتوى الحقيقي. وحتى لا نبقى في إطار الأمثال والتشابيه -رغم أهميتها ومدى حكمتها- ننتقل إلى الطرح المباشر…

تخيلوا معي أن الذئب قرر فجأة أن يكون مرهف الحس، وأن ينقل للعلاج على كتفيه الخراف والنعاج الجريحة، وأنه قرر أن يوصل العشب للخراف كيلا تتضور جوعا… ستظهر على شفاهكم حتما ابتسامة ساخرة أليس كذلك؟

  •  الواقع لا تترجمه الأمنيات

لننطق إذن من التصريحات الرسمية، إذ على الرغم من أن دول أوروبا العجوز بدأت مضطرة تعبر عن تعاطف نسبي مع سكان غزة- “المسلخ الإسرائيلي” ، فإنها في الواقع تنطلق من جوهر تاريخها وحقيقتها كصياد مستعمر ماكر عبر القرون، فقد بدأت في الآونة الأخيرة تُعبِّر عن أسفها لما يعانيه سكان غزة، ولكنها في غضون ذلك حتى الآن ورغم سقوط عشرات ألاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى، وأنين مئات آلاف الفلسطينيين لا ترى ضرورة لوقف إطلاق النار، ومنع استمرار ذبح الشعب الفلسطيني… ما هذا؟ شيزوفرينيا- انفصام الشخصية؟

هذا يذكر في الواقع بما يقال عن جوهر وروح الصياد التاجر، الذي يكون حريصا دائما على إصابة الحيوانات ذات الفراء النادرة بطلقة في عينها… نعم تحديدا في عينها، لكيلا يفسد الفراء الذي سيعرضه هذا الصياد للبيع بأغلى الأسعار. رغم المفارقة في التشبيه لكن الواقع هو كذلك.

تسعى الولايات المتحدة وذيلها أوروبا بعد أن مارست زمنا طويلا دور “سكير عربيد ماجن حقير ” للظهور بثوب خطّاء صحا وتاب فجأة، ولبس إهاب راهب في دير الرحمة، بدأ ذلك بعد أن استخدمت واشنطن حق الفيتو عدة مرات لمنع إيقاف ذبح الشعب الفلسطيني، وكتوزيع ماكر للأدوار، تُظهر وكالات الأنباء الغربية تلك التصريحات الأمريكية التي تبدو وكأنها معارضة تماما لموقف تل أبيب تجاه غزة، وفي الوقت نفسه لا توافق على وقف إطلاق النار، ليس في الأمر أية مظاهر لانفصام الشخصية، وينحصر الأمر في إتقان دور التائب عن شرب الخمر، وهو يخفي الزجاجة في جيبه الداخلي ريثما يغادر الذين أقسم أمامهم أنه تاب عن الشرب. موقف يماثل موقف الصياد التاجر، طلقة في العين، نعم في عين الحقيقة رمزيا. وسيبدو الأمريكي منقذا عبر الرصيف البحري… يا لهول المفارقة، القاتل هو المنقذ!.

  • ماذا تنوي إسرائيل رغم التصريحات الأمريكية

بكل بساطة ووضوح، أعلنت تل أبيب أنها لا تأخذ تعليماتها من أحد، وليس لأية قوة أن تمنعها عن تنفيذ مخططاتها، بل إن الجيش الإسرائيلي أعلن مؤخرا بكل وضوح أنه لم يوقف عملياته ولن يوقفها حاليا، وسيتابع استهداف قادة حماس الذين تورطوا – حسب وصفه- في هجوم السابع من أكتوبر تشرين أول الفائت.

وأعلن دانيال هاغاري المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بابتهاج عن تنفيذ عمليات مشتركة للجيش والشاباك … كيف؟ بغارات من الجو استهدفت مواقع تحت الأرض كان يقبع فيها -حسب تصورهم- بعض من قادة حماس، طبعا دون أية معطيات توثيقية، ومثل هذه الغارات تودي بحياة العديد من المدنيين، إنه منطق، الفاشيين الذين كانوا يقتلون سكان قرية بكاملها وهم مرتاحو الضمير كونهم قتلوا مئة، أو أكثر ولكن ربما كان بينهم الرجل المقصود!!

  •  القطة السوداء

يشبِّه الفيلسوف الأمريكي من أصل إيرلندي وليم جيمس الفيلسوف الميتافيزيقي، بأنه كأعمى يبحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة… أليس هذا حال إسرائيل في بحثها عن رموز المقاومة للقضاء عليهم، وهي تعلم وتتجاهل أن ذلك لن يجدي فتيلا…

مرام الجيش الإسرائيلي هو الرموز الأولى للمقاومة الفلسطينية في غزة، ويعلن صراحة أنه يستهدف مروان عيسى نائب محمد ضيف، وصولا كما تشتهي سفن الجيش الإسرائيلي إلى السينوار، ناسيا الشطر الثاني من بيت المتنبي “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”.

حتى نتنياهو نفسه كان قد أعلن وكأنه يقدم مفاجأة، بأن الجيش الإسرائيلي استطاع أن يقضي على الرقم أربعة من قيادات حماس. هناك آلاف مؤلفة أيها الأغبياء.

ينقلني هذا الواقع الرهيف العجيب إلى أجواء ما ذكرته في مقالتي عن الشعب الذي فاق الأسطورة في غزة، وما سأذكره الآن هو من الأساطير التي سمعتها ذات حين إبان تجوالي في عدد من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وأرجح أنني سمعها في جورجيا، وتقول تلك الأسطورة الشعبية،

( تقريبا كما بقي في ذاكرتي) أن المعتدين تمكنوا من اقتحام حصون شعب محاصر، وأذلوا أهله عدة مرات، وأخذوا منه السبايا والعبيد إلى أن نذرت أميرة البلاد ابنها لبناء قلعة لا يمكن أن يخترقها الأعداء؟!!! وذلك بأن يقف ابنها وليكن اسمه “ارتور” في مقدمة حدود المدينة، ويبدأون ببناء سور المدينة عليه، وهو يقف في أساسها وقاعدتها، وتصرخ أمه: كيف أنت يا أرتور، يجيبها أرتور: أنا بخير يا أماه، فتقول الأم إلى أين وصل الإسمنت يا حبيبي؟ فيجيبها أرتور: إلى ركبتي يا أماه، فتصرخ الأم: تحمل يا بني فأنت تحمي الوطن، وبعد حين، تصرخ الأم إلى أين وصل الإسمنت يا أرتور يا حبيبي، فيجيب إلى خاصرتي يا أمي، فتجيب الأم: لا بأس يا حبيي تحمل فأنت تحمي الوطن… وبعد حين تنادي الأم فلذة كبدها يا أرتور يا حبيبي، إلى أين وصل صب الإسمنت؟ فيأتيها صوته مرهقا نصف مخنوق: إلى عنقي يا أمي، فتجيبه، تحمل يا بني فأنت تحمي الوطن… ومن ثم بعد حين تنادي الأم ولدها يا أرتور يا حبيبي إلى أين وصل صب الإسمنت… وتنتظر ولا تسمع جوابا… عندها تدرك أن الأعداء لن يتمكنوا بعد الآن من تحطيم هذا الحصن أبدا. نعم كم من أرتور في أسوار غزة؟

  • حقيقة الموقف الإسرائيلي

بعيدا عن كل هذه “الخزبعلات” لا بد من توثيق موقف إسرائيل الحقيقي بعيدا عن الدعاية الأوربية والأمريكية، واستنادا إلى الحقائق ، وهذه المرة بلغة الواقع لا الأساطير – التي كثيرا ما تكون تعبيرا أكثر نقاء عن الواقع- فقد أعلن مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة بوضوح في مجلس الأمن أن إسرائيل مستمرة في قتل شريان الحياة في غزة، بل وتسعى لتدمير منظمة الأونروا ، بعد أن عملت على تشويهها وتصويرها كمشاركة في أحداث السابع من أكتوبر بهدف تشريد الشعب الفلسطيني، وجعل قطاع غزة غير قابل للحياة، وأن إسرائيل نتيجة خوفها من انتشار الحقيقة ترفض لجان التحقيق، وتستمر بالعقوبات الجماعية.

وتوضيحا للواقع الإنساني الذي تعرفه جيدا قيادات الاتحاد الأوروبي، فإن أكثر 31 ألف شهيد ينضمون إلى أرتور الأسطورة في أسوار غزة، وخاصة أطفال غزة الذين يموتون يوميا نتيجة الحصار والجوع، وأكثر من 73 ألف جريح يستعدون للانضمام إلى أرتور، وهم واثقون أن صمود الشعوب أقوى من كل قوى الغدر والعدوان في الواقع خارج الأسطورة. وهم يدركون أن من هو والغ في الدم الفلسطيني لا يمكن أن يكون وسيطا، وفروة الحمل التي جاء بها مموها شخصيته الحقيقية بها هي فروة الحمل الذي قتله قبل قليل.

ومع ذلك لعل هذا القول أكثر تعبيرا عن فحوى حقيقة هؤلاء ” الأعدقاء” كما في قصيدة الحب في طريق المجرة:

أيا ثورةَ الجوعِ هل تسمعين؟

لقد كنتِ أنتِ الوليمَةْ

أيا ثورةَ الجوعِ لن يمحوَ العارَ

من قاسَمَ الغولَ لحمَ الغيمَةْ

أيا ثورة الجوع سألتك هبي

فأنت التي سوف تمحو الهزيمة

….نعم من يشارك الغول لحم الغنيمة لا يمكن أن يكون صديقا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى