الأهداف الأميركية من إعادة الإنتشار في سورية “استراتيجيات عسكرية – ماتريوشكا نيوز”
دخلت القوّات الأميركيّة وقوّاتٌ تابعةٌ للتّحالف الدّوليّ إلى عدّة مناطق سورية، لكي تتمكّن من إقامة عدّة قواعد عسّكريّة، تحافظ من خلالها على تواجدها هناك، بهدف قطع الطّريق على التّواجد الرّوسيّ والإيرانيّ في المنطقة، حيث تنتشر في المنطقة الشّرقيّة والشّماليّة الشّرقيّة من سوريا العديد من القواعد العسّكريّة الأميركيّة.
وتتوزع القواعد العسّكريّة الأمريكيّة شرق سوريا، في المنطقة الممّتدّة شرق نهر الفرات من جنوب شرق سوريا بالقرب من معبر التّنف الحدوديّ، إلى الشّمال الشّرقيّ بالقرب من حقول رميلان النّفطيّة، وتتوزّع في الحسكة ودير الزّور. كما أنّ توزّع القواعد الأميركيّة جعلها أشبه بالطّوق الذّي يُحيط بمنابع النّفط والغاز السّوريّ المتواجد شرق نهر الفرات، وهو ما يُمثّل غالبية الثّروة الباطنيّة لسورية.
وتعد هذه القواعد الأهم في سوريا، وتحاول واشنطن من خلالها، ضرب طوق حول آبار النفط والغاز، فضلاً عن محاولة منع التقى قوات المقاومة، وتقويض النفوذ الروسي في سوريا، وكما هو واضح تتبع الولايات المتحدة نهجاً يعمد إلى دعم وجودها في سوريا وتكثيفه في منطقة الشمال الشرقي، حيث تعد محافظة الحسكة مركز الانتشار العسكري الأمريكي الأبرز في سوريا.
وتعد قاعدة رميلان في الحسكة أهم القواعد العسكرية الأمريكية في سوريا، تليها قاعدة المالكية بريف الحسكة الشمالي الشرقي، بالإضافة إلى قاعدة تل بيدر، وهي إحدى أهم القواعد الأمريكية نظرا لقربها من طريق “إم 4” الاستراتيجي، كما تتكامل مع قاعدتي “لايف ستون وقسرك”.
في الأثناء، تشير الأنباء الواردة من شرق الفرات بأنّ الجيش الأمريكي أرسل تعزيزات عسكرية إلى قواعده في محافظتي الحسكة ودير الزور. وذكرت المصادر بأنّ رتلا للقوات الأمريكية يضم 40 مركبة بينها 5 مدرعات “برادلي” تقل جنود أميركيين قد وصل القاعدة العسكرية في بلدة الرميلان بالحسكة السورية وأنّ هذا الرتل دخل من معبر الوليد الحدودي بين العراق وسوريا ليل الأربعاء الخميس. بالإضافة إلى دخول رتل آخر يضم صهاريج وقود وإمدادات طبية ومضادات دفاع جوي، ووصوله إلى قاعدة حقل عمر النفطي على الضفة الشرقية لنهر الفرات بمحافظة دير الزور.
ولم تقتصر الإمدادات الأميركية على ما تم رصده مؤخراً حيث سبق وأن أرسل الجيش الأمريكي أربع دفعات من التعزيزات العسكرية إلى قواعده في “خراب الجير” و”قسرك” بالحسكة، و”حقل عمر” النفطي بدير الزور خلال شهري كانون الثاني وشباط المنصرمين وتشير التقديرات إلى وجود حوالي 2500 جندي أميركي في تلك القواعد.
وينتشر في سوريا حالياً 28 موقعًا أمريكيًا منها 24 قاعدة عسكرية، و4 نقاط تواجد، وبحسب المعلومات فإن هذه القواعد تضم أكثر من ألفي جندي أمريكي، تحت حجة دعم ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية، ومنع قيام تنظيم “داعش”، مجدداً (رغم دعمها اللامحدود لتلك التنظيمات الإرهابية)، وفيما كانت وزارة الحرب الأميركية، قد أعلنت أن عدد الجنود الأمريكيين العاملين داخل الأراضي السورية، 503 جنود، باستثناء القوات المناوبة، إلا أن بعض التقديرات تقول أن هناك ما يفوق ألفي جندي، لا بل أن هناك ما يقارب 3000 جندي أمريكي يتواجدون في القواعد المنتشرة بمحافظات الحسكة، دير الزور وريف دمشق، في حين تتوزّع نقاط التواجد بين محافظتي دير الزور والحسكة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ جزء من تلك القوات يتولى حماية المطارات وحقول النفط والغاز في محافظتي الحسكة ودير الزور في حين يتولى الجزء الآخر مهمة تدريب المقاتلين الأكراد من قوات سوريا الديمقراطية.
ويبدو أن تعزيز واشنطن وجودها العسكري في سوريا يأتي في إطار تصاعد الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا في المنطقة من جهة، وبين إسرائيل وقوى المقاومة من جهة أخرى. كما يشير إلى أن الخبراء يرون أن حشد مزيد من القوات الأميركية في سوريا يأتي في إطار رغبة واشنطن في الضغط على موسكو وطهران.
ويمكن تحديد الأهداف الأميركية من تلك الترتيبات في شرق سورية، وفق ما يلي:
1- الردع: بحيث يبدو واضحاً أنّ الهدف الأمريكي من تحركاته تلك وإعادة انتشاره في شرق سورية إلى ردع إيران بالدرجة الأولى ومن ثم روسيا، وإرسال رسالة إليهما مفادها أن القوات الامريكية باقية، وأن الترتيبات والإجراءات التي يقوم بها الطرفان لن تكون مُجدية، ويؤشر نشر أفضل المعدات العسكرية إلى محاولة جعل الروس والإيرانيين في وضع غير متساوٍ في المواجهة في حال قاموا بالتصعيد.
2- تعزيز موقف إسرائيل: بحيث ترسل رسائل لجبهات الإسناد أنها لا زالت متواجدة في المنطقة بعتادها وعتيدها وأنّ الضربات التي تتلقاها قواعدها لا تؤثر على قرارها بالتواجد في المنطقة وتحقيق أمن الطاقة اولاً وإسرائيل ثانياً.
3- استباق التطورات: حيث تبدو المنطقة مقبلة على تطورات نتيجة تغير الديناميات في الآونة الأخيرة، كما أن التفاعلات التي تشهدها المنطقة تأخذ مسارات تتناقض مع الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. فبجانب محاولات روسيا وإيران خلق مصاعب للوجود الأمريكي في شرق سورية، يشكل التوافق الروسي – التركي، واحتمالات انفتاح العلاقات بين دمشق وأنقرة قلقاً لدى صنَّاع القرار الأمريكي، لذا فإن الترتيبات الأمريكية تهدف إلى إيصال رسالة إلى جميع اللاعبين تُفيد برفض واشنطن لأي تغيرات ميدانية قد تنتج عن هذه الديناميات.
وفي هذا السياق، بدت واضحة التقاطعات الحاصلة بين أطراف الطاولة الرباعية (روسيا، وتركيا، وإيران، والحكومة السورية) على رفض مشروع الإدارة الذاتية الكردية واعتباره مشروعاً انفصالياً، ما يعني أن ثمة توافقاً في طريقه للترجمة بين هذه الأطراف، قد تتمثل مخرجاته الأولية في طرد القوات الكردية من مناطق منبج وتل رفعت، ورغم أن الإدارة الأمريكية غير مهتمة بتلك المناطق، إلا أنها بدأت تستشعر مخاطر التوافق الرباعي الذي قد يطال مناطق شرق الفرات، ما دفع بهذه القوات إلى التحضير للعودة إلى قواعد ونقاط أخْلتها قبل أربع سنوات في منطقتي عين عيسى وعين العرب في ريف الرقة الشمالي.
وفي السياق نفسه أيضاً، تتوجس واشنطن من الانعكاسات التي قد تنتج عن عودة شرعية الأسد إقليمياً والتي قد تشكل ضغطاً على القوات الأمريكية في شرق سورية، سواء لجهة استهداف هذه القوات أو زيادة كتلة المطالبين بانسحابها من منطلق أن وجودها يعرقل ترتيبات الحل السوري.
4- دعم الموقف التفاوضي الأمريكي: حيث تخوض واشنطن مفاوضات مع طهران ودمشق بوساطة عُمانية، وقد أشارت التسريبات إلى طلب دمشق سحب القوات الأمريكية من شرق الفرات، ومن المؤكد أن هذا الطلب يقع في صلب قائمة المطالب الإيرانية، ما دفع واشنطن إلى استعراض وتحريك أوراقها في المنطقة لوضع سقف لمطالب هذه الأطراف.
5- التضييق على أذرع إيران: بعد أن بدأت تتجرأ وتتخذ مواقف قتالية ضد القوات الأمريكية، إذ تهدف التحركات الأمريكية إلى استنزاف هذه الميليشيات ووضعها في موقف مرتبك، والتمهيد لإضعاف النفوذ الإيراني في سورية عبر تهديد مسارات وطرق الميليشيات الإيرانية إلى داخل سورية.