منذ سنوات، يشهد العالم على مشاهد مؤلمة ومروعة في الأراضي الفلسطينية سواء في الضفة الغربية والقدس الشرقية والحصار والإبادة الجماعية في غزة، حيث أثارت الأعمال الوحشية التي ترتكبها المنظومة العسكرية الصهيونية مخاوف جدية بشأن الإنسانية والأخلاق. تتطلب الحسابات والصور المزعجة للمدنيين الأبرياء، وخاصة الأطفال، الذين يُقتلون ببرودة وتجاهل تام، دراسة أعمق للتأثيرات النفسية والاجتماعية لمثل هذا العنف.
شهد النضال المستمر للشعب الفلسطيني ضد المحتلين الصهاينة تورط المنظومة العسكرية الصهيونية في أعمال وحشية شديدة ضد المدنيين الفلسطينيين. تكشف التقارير والشهادات نمطاً مروعاً من السلوك يشير إلى نزع الإنسانية العميق من قلوب هؤلاء الغاصبين المجرمين، وذلك عندما يستطيع الجنود التفاخر بقتل الأطفال والرضع، كما قال أحد الجنود لخطيبته، بأنه قتل طفلة صغيرة عندما لم يجد رضيعًا ليقتله. إن هذا يبرز تآكلًا مرعبًا للإنسانية والحكم الأخلاقي.
فكم من مشاهد حية من العنف والقتل والوحشية نراها تتكرر كل يوم في غزة. طفل يُطلق عليه النار بدم بارد، والد يركض حاملاً ابنته التي لم تتجاوز الرابعة من عمرها، جرحها ينزف بشكل لا يمكن وقفه، وقلبه ينهار أمام عجزه عن إنقاذها، وأم ثكلى تودع أطفالها الذين استشهدوا راكعة فوق جثامينهم، وطفل آخر بلا رأس، ومئات من الأطفال تملأ الدماء والجروح أجسادهم يصرخون مستغيثين من أجل مساعدتهم على آلامهم التي لا تحتمل. هذه ليست مجرد قصص، بل مأساة وحقائق يومية وإبادةً جماعية يعيشها الفلسطينيون تحت هذا القتل والتشريد المروع. الأطفال الذين كانوا يلعبون في الشوارع، يجدون أنفسهم فجأة تحت وابل من الرصاص وتحت الأنقاض، دون ذنب أو جرم ارتكبوه سوى أنهم وُلدوا في فلسطين.
لقد وصلت وحشية المنظومة العسكرية الصهيونية إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يهاجم الجنود جميع المستشفيات، ويجبرون الجرحى وحتى مرضى العناية الفائقة على الخروج منها لإعدامهم في مقابر جماعية بجانب المستشفيات. لم يقتصر الأمر على ذلك، بل شمل قتل الأطباء والممرضين والمسعفين.
رغم كل هذه الفظائع، يظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقاحة على شاشات التلفزيون ليقول بأن الجيش الإسرائيلي هو أكثر جيش أخلاقية وإنسانية في التاريخ، رغم ممارسة جيشه الصهيوني سياسة الأرض المحروقة، التي تعتبر من أقسى أنواع القمع، من تدمير وإتلاف كل المصادر الهامة للسكان المدنيين من أراضي زراعية، وموارد طبيعية، وطعام، ومأوى ، ومستشفيات، ومدارس، وجامعات، واتصالات… إلخ. يظن هذا المجرم بأنه يمكنه تضليل وخداع الرأي العام العالمي، ولكن الواقع يظهر عكس ذلك، حيث خرجت الجماهير في جميع أنحاء العالم لمناصرة حقوق الشعب الفلسطيني وإدانة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يمارس بحق الشعب الفلسطيني صاحب الأرض الأصلي. إن انتهاكه للقوانين الدولية يتم تحت غطاء ممارسة الولايات المتحدة الأميركية “سياسة النعامة” مع المستعمرة الصهيونية، مما يعزز من ارتكابه لهذه الجرائم دون رادع.
نحن نعيش في عصر تتجاوز فيه وسائل التواصل الاجتماعي الحدود الثقافية والسياسية، مما يخلق تجربة عالمية مشتركة. هذا الوعي الجمعي الآن مشبع بالصور والفيديوهات للعنف والمعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. على عكس الماضي، حيث كانت هذه الأحداث محلية، فإن الفظائع اليوم تُبث على نطاق واسع، مما يؤثر على الناس بعيدًا عن مناطق الصراع المباشرة.
أحد أكثر العواقب المقلقة لهذا التعرض المتكرر هو احتمال فقدان الحساسية تجاه العنف. عندما نواجه مرارًا صور الموت والدمار، هناك خطر أن نبدأ في رؤية هذه الأحداث كأمر طبيعي. يمكن أن يؤدي هذا الفقدان للحساسية إلى انخفاض قيمة الحياة البشرية وانخفاض الشعور بالتعاطف، مما يجعل هذه الأعمال تبدو شبه روتينية ويجردنا من القدرة على الرد والعمل اللازمين.
لا يمكن التغاضي عن العمليات النفسية التي تجعل الجنود وقادتهم الصهاينة قادرين على ارتكاب مثل هذه الفظائع، والتي يتم من خلالها تغيير وتشكيل أفكارهم ومشاعرهم وسلوكياتهم بطريقة تجعلهم قادرين على ارتكاب أعمال وحشية دون تردد أو شعور بالذنب. هذا التكييف يتم عبر مجموعة من العوامل التي تشمل التدريب العسكري، الإيديولوجيا، والتأثير الثقافي الذي يمجد العنف ضد الفلسطينيين ويصوره كعمل بطولي أو ضروري، يصبح فيها قتل الفلسطيني ليس مقبولاً فحسب، بل شيئًا يمكن التباهي به. هذه العملية من نزع الإنسانية تجرّد هؤلاء القتلة من عواطفهم، وتحولهم إلى أدوات للعنف والقتل المبرر.
إن للوحشية التي تظهرها المنظومة العسكرية الصهيونية آثار بعيدة المدى. فهي تتحدى معتقداتنا الأساسية حول الإنسانية والأخلاق. إذا كان الجنود قادرين على قتل الأطفال والتحدث عن ذلك بدون ندم، فماذا يقول هذا عن القيم والأخلاق التي يتحلى بها أصحاب السلطة؟ إذا تُركت هذه الأفعال دون رادع ودون تحدي، فإنها تخاطر بتطبيع العنف الشديد وتقويض نسيج المجتمع الأخلاقي.
من الضروري أن يعترف المجتمع الدولي بهذه الأفعال ويدينها بشكل لا لبس فيه. الصمت والتقاعس يعتبران تواطؤًا في استمرار دورة العنف هذه. يجب على المهنيين الصحيين النفسيين، وعلماء الاجتماع، والمدافعين عن حقوق الإنسان أن يتحدوا لمعالجة الأضرار النفسية التي تلحق ليس فقط بالضحايا وأسرهم، ولكن أيضًا بالجنود أنفسهم الذين يتم تكييفهم لرؤية الوحشية كأمر طبيعي. هناك حاجة إلى البحث والمناقشات المفتوحة لفهم الأثر الكامل على كل من الأفراد والمجتمع ككل. من خلال إظهار هذه القضايا، يمكننا البدء في تطوير استراتيجيات للتخفيف من الآثار السلبية وتعزيز الشفاء.
إن أشخاص مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وهم من القياديين في إسرائيل، لا يكتفون بالتحريض على العنف بل يتعدونه إلى تشجيع قتل الفلسطينيين بوحشية. هؤلاء القادة يصفون الفلسطينيين بالحيوانات ويدعون علناً إلى قتل الأطفال والنساء والشيوخ. كما يدعمون بناء المزيد من المستوطنات على أراضي الضفة الغربية بعد هدم منازل الفلسطينيين، ويسلحون المستوطنين الذين جاؤوا من مختلف أنحاء العالم لتشجيعهم على قتل الفلسطينيين. ولا يقتصر تحريضهم على ذلك، بل يستندون إلى أوهام دينية مزيفة مستمدة من التلمود، الذي يعتبر كل البشر حيوانات وُجدوا في شكل إنسان لخدمة اليهود الذين يعتبرون أنفسهم فوق كل البشر. إن خطاب الكراهية والتحريض هذا يشكل خطراً كبيراً على المجتمع الدولي، ويدفع الجنود الإسرائيليين إلى ارتكاب المزيد من الفظائع بدم بارد، غير مبالين لعواقب أفعالهم، مما يعزز ثقافة القتل والكراهية ويفاقم من دوامة العنف.
إن معالجة الوحشية التي ترتكبها المنظومة العسكرية الصهيونية تتطلب حوارًا مفتوحًا وصادقًا، خالٍ من التحيز السياسي. يجب على العالم الانخراط في مناقشات صريحة حول الأبعاد الأخلاقية لهذا العنف وتأثيره طويل الأمد على كل من الضحايا والجلادين.
كمجتمع عالمي، يجب أن نواجه هذه الأعمال الوحشية بشكل مباشر. نحن بحاجة إلى تعزيز ثقافة التعاطف واحترام الحياة البشرية، وضمان أن هذا العنف المجرد من الإنسانية لا يتم قبوله أو تطبيعه أبدًا. يبدأ ذلك بمحاسبة المسؤولين وإعطاء الأولوية للصحة النفسية وإنشاء أنظمة دعم لأولئك الأطفال الذين تأثروا بمشاهد القتل والعنف وفقدان ذويهم. من خلال الاعتراف الكامل بوحشية المنظومة العسكرية الصهيونية تجاه المدنيين الفلسطينيين والمطالبة بالعدالة، يمكننا أن نبدأ في إعادة بناء ضميرنا الجماعي. هذه ليست مجرد دعوة للعمل السياسي بل هي نداء لاستعادة الإنسانية والأخلاق في وجه الظلام الدامس. فقط من خلال ذلك يمكننا أن نأمل في خلق عالم تُقدّر فيه كل حياة، ويسود فيه السلام والعدالة.
أختم مقالتي بقول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
وهذا هو شعب فلسطين البطل، شامخ كالجبل الراسخ، لا تهزه الرياح العاتية، ولا يضره من خالفه. على الرغم من المصاعب والأذى الذي أصابه، يبقى متمسكًا بهدفه النبيل في مواجهة المحتل. سيظل يناضل بشجاعة وإصرار وعزم لا يلين، وستظل غزة، التي تعرضت لأبشع أشكال الإبادة الجماعية، رمزًا للتحدي والصمود . كما ستظل أهمية القدس ومكانتها الخاصة مركزاً للقوة والثبات حتى بزوغ فجر النصر.