صحافة ورأي

التذكر والادراك والوعي بشهادة المُعتلي أسماعيل هنية “رؤية انثروبولوجية”

بقلم د. مها أسعد

أن الجهة الكيفية في التذكر تلزمنا بإدراك الموقف عبر الوعي بالزمن، وهي تنقُلنا بهذا الموقفاغتيال اسماعيل هنية”  الى فعل التذكر بتفكر: بهذا المعنى أنه قد صارلنا صورة خيالية تذكرية ذات جهة كيفية، أي هي صورة خيالية متحدة في الحقيقة مع الجهة الكيفية للفعل التذكري بأَسره. مع ذلك فإن الصورة الخيالية التذكرية إنما هي معنى لحدث ما ذا وقع كبير تربطهُ واقعة تواصلية بالزمن المدرك ذو أنبناء على المظهر التخيلي، وهذا المظهر التخيلي إنما يكون هو في التذكر وفي تذكر التذَكُر. ولقائل أن يقول: إن خاصة التذكر، خلافاً لكل شيء آخر يدخل فيه دخول المحتوى ذو القيمة، فكيف اذا كانت القيمة للشخص المغتال عليا؟! أنه يشتمل على فعل أَخذي شأنه أَن يضع التذكر في علاقة ما بالواقع المدرك بالفعل والفاعل والحدث والوعي بالزمن والأمكنة التي أحتوت كل الأفعال الخاصة به. إن هذا الكلام لصحيح قطعاً، ولكن صحتهُ لا تنال في شيء مما قد أسلفنا بيانه إلا بالفلسفة المتجسدة والمتمثلة بجسد يرتقي للخلود كجسد المعتلي هنية.

إن كل ما تقدم يعتبر تصنيفات رمزية من (رموز أرتقاء) المرتبطة بالذاكرة والتذكر والخيال المدرك، ولربطه بالوعي سواء كان الوعي صادر عن الاتجاه الاجتماعيالديني، أوعن الأتجاه النفساني، فهو يقوم بإختزال المتخيل إما في أنساق خارجة عن الوعي الإنساني وإدراكه، أو في إوليات مكبوتة، ولهذا السبب لا بد من الإشارة إلى منهج جيلبيردوران لتوجيه ما تقدم في هذا المقال وأسناده، فهو الذي كان يسعى الى تجنب كل من الأونطولوجيا السيكولوجية والأونطولوجيا الثقافوية؛ ولتحقيق ذلك، يعتمد دوران على المنظور الأنثروبولوجي لردم الفجوة بين المقاربة الخارجية والمقاربة الداخلية للمتخيل ومحتوياته، لأن المتخيل يستجيب لحاجات ورغبات داخلية تتفاعل  وتتصادى معمحيطها الاجتماعي والإيديولوجي والدين، وان هذا الجمعبين المقاربتين هو ما أُطلق عليه دوران اسم المسار الأنثروبولوجي، الذي هو نتاج متطلبات عضوية ونفسية ضمن محيط اجتماعي، وذلك أنه من الواجب ان نبين في الفعل الأخذي بعينه أمرين اثنين: المحتوى، والجهة العقدية وما اقصده هنا بمثابة العقد الاجتماعي بين الواجب والحق، الذي قطعه أسماعيل هنية على نفسه ورفاقه والقضية التي أُغتيل من أجلها، وكيف ان يكون الإلتزام واجب من قبل جميع الأطراف، فهو بذلك قدفوت الفرصة على كل من يريد أن يعزف على وتر الطائفية، ولكل من يريد ان يجعل من منبره مصدراً يعتاش عليه، وكذلك ليجعل وعلى المدى البعيد التذكر والادراك والوعي مجتمعة بشهادته التي جسدت انفعال عبر تداعي الأحاسيس والأفكار، التي تعد استلهاماً متواصلا يتجدد بمثل هذه الأحداث الكبيرة للأشخاص الكبار الذين حتى بموتهم تكون هناك رسالة سامية، فان الموت وتحديداً هنا يحمل في ثناياه التفكر في عمق الوجود ومعانيه؛ لذلك تكون الشهادة عزاءً تعين أصحاب ذات النهج على التأمل في معاني الحياة، وخصوصاً عندما تكون للشهيد قيم عليا لا تقدر بثمن، فعندما نقرأ التاريخ بشكل جيد نراهُ متجدد تحيين التاريخفيه أحداث متكررة تبعاً للوحدة النفسية بين البشر، حيث نجد فيه ان الأحداث الغابرة زائلة بلا جدال، وتبقى وحدها المواقف عنوان يتجدد في كل وقت وحين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى