التعايش مع الهزيمة: كيف، ولماذا؟!
“رونين بار ينتقد عنف المستوطنين ويحذر من أن زيارات بن غفير إلى الحرم القدسي ومحاولاته لتغيير الوضع الراهن قد تؤدي إلى “إراقة الدماء” و”تغيير دولة إسرائيل“
تحت العنوان أعلاه، نشرت صحيفة “الاتحاد” الحيفاوية مقالاً مترجماً عن “يديعوت أحرونوت” بقلم الكاتب المعروف”ناحوم برنياع” استهله بالقول: “كيفما سميتم الأنباء عن المخطط الذي يتبلور لتحرير المخطوفين – اقتراحا قطريا، مصريا أو أميركيا – فهي تدل على أنه في الجانب الإسرائيلي بدؤوا يسلمون بالنتائج المحدودة للحرب. على أفضل علمي، صفقة لا توجد هنا بعد. ينبغي الأمل في أن تكون. لكن في ختام 100 يوم على الإخفاق والخراب، لا مفر من رؤية الوضع كما هو. ثمة قراء يرفضون قبول هذا الوصف للواقع: هذا حقهم. اعتقد أنه في قيادة الجيش يفهمون الوضع جيدا. السؤال هو كيف يُجسِّر نتنياهو ووزراؤه الفجوة بين التوقعات غير المسؤولة التي خلقوها، والقرارات القاسية التي يقفون أمامها. لا تحسدوهم.
يتحدث المخطط عن اتفاق لوقف نار لثلاثة أشهر. التنفيذ سيكون متدرجاً. سيتضمن تحرير كل المخطوفين، الأحياء والأموات، على مراحل، فيما أن المرحلة الأولى ستكون إنسانية – بمعنى ستتضمن بأولوية أولى مرضى، جرحى، شيوخا. فضلا عن تحرير آلاف السجناء الفلسطينيين، كبارا وصغارا، يفترض بالمخطط أن يلبي المطالب التالية وهي: تعزيز دراماتيكي لحجم المساعدة الإنسانية للقطاع؛ عودة السكان إلى المجال الشمالي، إلى غزة وبناتها؛ انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي؛ إقامة إدارة بتمويل دولي لإعمار قطاع غزة من خرائبه – والأسوأ من كل شيء، شراكة “حماس” في السيطرة في القطاع في المستقبل. الجانب الإسرائيلي كان يسعده أن يسمح بخروج قيادة (حماس)، بمن فيهم السنوار وضيف إلى المنفى، في قطر أو في دول أخرى. منفى هو ما حصل عليه عرفات ورجاله في بيروت، في حرب لبنان الأولى. لكن غزة ليست بيروت والسنوار ليس عرفات. في هذه اللحظة هو لا يبحث عن مخرج في المنفى – هو يخطط لاحتفالات النصر في غزة.”؟!
وتابع الكاتب : “الظروف كفيلة بأن تتغير في أثناء المفاوضات. حتى تفجير المحادثات ممكن. لكن السؤال لا يزال قائما، وهو صعب: هل الأمل في حياة 136 إسرائيليا يبرر أثمانا كهذه؟ أنا أقول نعم، وليس بسبب حقيقة أن معظمهم مواطنون اختطفوا من بيوتهم بذنب حكومة وجيش تركتهم لمصيرهم في إخفاق لا مثيل له، تركتهم لمصيرهم قبل 7 أكتوبر وتركتهم لمصيرهم في أثناء ذاك اليوم. عندما يلتقي نتنياهو بعائلات مخطوفين فإنه يحرص على أن يجلب إلى اللقاء زوجته، وكأن الحديث يدور عن مساكين يحتاجون لفلورنس نايتنجل، الأم تريزا، إيماءة شفقة في عالمه القديم تنتمي حصريا للنساء. في نظري هذا عار. الرئيس بايدن يمكنه أن يشفق على المخطوفين؛ نتنياهو مسؤول عن وضعهم. هذا عمله. يوجد في المستوى السياسي والعسكري مَن يفضل أن يشطب عن جدول الأعمال موضوع المخطوفين. الادعاء هو أن المخطوفين هم مصدر إزعاج: الانشغال بهم يعيق القوات في الميدان ويعزز (حماس). من الأفضل التسليم بمصيرهم والسير إلى الأمام. هذا الموقف بارز على نحو خاص في الوسط الحريدي القومجي المسيحاني. فمن أجل بعض من ممثلي هذا الوسط لم تكن أحداث 7 أكتوبر كارثة بل فرصة تاريخية: إسرائيل تحتل كل غزة، تطرد سكانها وتسكنها باليهود؛ وإذا ما فتحت جبهة في الضفة، فسنطرد الفلسطينيين من هناك أيضاً. أناس هذا الوسط بارزون في الوحدات القتالية في الجيش. أنا أقول هذا في صالحهم. هذا لا يعني أنه مسموح لهم أن يملؤوا الحيطان في غزة بالشعارات التي تدعو إلى العودة إلى “غوش قطيف”. الجيش لا يعرف كيف يسيطر على حماستهم السياسية.
عجب آخر، أخطر، يتعلق بالعميد باراك حيرام الذي في 7 أكتوبر في “بيري” أمر دبابة بقصف مبنى كان فيه، إلى جانب مخربي (حماس)، رهائن. 12 من الرهائن قتلوا، وانكشفت القضية في تقرير نشر في (نيويورك تايمز) ويجري الجيش الآن التحقيق فيها. أعضاء في ثلة التأهب في (بيري) طلبوا أرجاء تعيين حيرام قائدا لفرقة غزة حتى انتهاء التحقيق. الجيش الإسرائيلي رفض. مثلما في (فخ 22) لجوزيف هلر، فإن من قصف أعضاء الكيبوتس سيكون القائد المسؤول عنهم.
حيرام هو مقيم في مستوطنة (تقوع)، حقيقة تضيف بهاراً سياسياً إلى القضية. في نظري ليس مهما أين يسكن – مهم ماذا كان تفكيره. في هذه الحرب يكثر الجيش الإسرائيلي من شرح أخطاء كلفت حياة مدنيين ومقاتلين في أنه ليس هناك ما يمكن عمله، هكذا هو الحال في ساحة القتال. هذا التفسير ليس مقنعا دوماً.”؟!
ويضيف: “لا طحين، لا توراة، مصير المخطوفين ليس الكابح الوحيد الذي يوقف الجيش الإسرائيلي عن احتلال كل غزة. فأحيانا المخطوفون هم مبرر، أحيانا ذريعة: ليس كل من يعلق شارة التعريف على رقبته أو يربط شريطاً أصفر ببدلته مجند حقا لقضيتهم. في مساء يوم الأربعاء، كان يفترض بـ(لكابينت) أن يبحث في الرؤيا لمستقبل غزة. غزة في اليوم التالي. في اللحظة الأخيرة شطب الموضوع عن جدول الأعمال: فقد تذكر أحد ما أن في الغداة، أي أمس، سيبدؤون في لاهاي البحث في الشكوى الجنوب إفريقية. ومن يدري كيف ستؤثر الاقتباسات التي ستسرب من داخل الجلسة على البحث في المحكمة. قصة صغيرة، لكنها تدل على أمور غير قليلة: حكومة إسرائيل الحالية لا يمكنها أن تدير الحرب. فهي تتمزق بين بن غفير وسموتريتش وبين بايدن وبلينكن مع غانتس وآيزنكوت في الوسط. نتنياهو بحث مع بلينكن في نقل 150 طنا من الطحين إلى غزة. الطلب يتعارض مع كل ما تعهد به نتنياهو للجمهور في بداية الحرب. البحث يجري من خلف ظهر وزراء (الكابينت). نتنياهو استجاب بنصف فم. بلينكن مل، وهو يقرر أن يشكر نتنياهو علنا على الطحين. فيسارع مكتب رئيس الوزراء إلى النفي. النتيجة: الأميركيون لا يصدقونه، وزراء (الكابينت) لا يصدقونه، لا طحين ولا توراة. عندما كتب آباؤنا بـ(الخدع خض حربك) فإنهم لم يقصدوا هذا.
مع كل الأسف الذي في ذلك، فإن (حماس) على ما يبدو لن ترحل إلى أي مكان. دورها في أن يقضى عليها لعله يأتي في الجولات التالية، حين تخرق التسوية التي ستتقرر (وهي ستخرقها). فلو كانت فرصة لأن يقام في غزة بديل غير جهادي، وهذا مشكوك فيه، فقد رفضتها حكومة إسرائيل رفضاً باتاً.”؟!
واستدرك قائلاً: “لكن المخطوفين سيعودون إلى الديار، والجيش الإسرائيلي سيتفرغ للجبهة الشمالية. ولعل الإسرائيليين يتفرغون لترتيب أوضاعهم في بيتهم. هكذا قالت، هكذا وعدت، رؤوما كديم، التي قتل خمسة من أبناء عائلتها، على مسمع وزير الدفاع غالانت. جملها التأسيسية يجب أن تخط على أبواب مكتب رئيس الوزراء، على أبواب هيئة الأركان. هذا في أفضل الأحوال. في أسوأ الأحوال لن تكون تسوية، الجيش الإسرائيلي سيعلق في غزة، بدون خطة أمام قرابة مليوني نازح ليس لهم مكان يرحلون إليه، أمام عالم معادٍ وإدارة أميركية منهكة، مع مخطوفين لن ينجوا ومُخلين لا يتمكنون من العودة إلى بيوتهم، مع اقتصاد في أزمة، ميزانية متهتكة وساحة سياسية لا تعرف أن تهتم إلا بنفسها. في النهاية، مثلما في كل فيلم هوليوود ستكون نهاية سعيدة. باستثناء إني لا اعرف ما هي.”؟!