
صور الحشود التي تعبر نتساريم تحطم وهم النصر المطلق
“في الصورة الأكبر، قدّمت حماس تنازلاً تكتيكياً لتحقيق خطوة استراتيجية: إعادة السكان إلى شمال القطاع. بعد عودتهم إلى المناطق المدمرة، سيكون من الصعب على إسرائيل استئناف الحرب وإخلاء المدنيين مجدداً من المناطق التي ستجتاحها، حتى لو انهار الاتفاق بعد الأسابيع الستة للمرحلة الأولى. الصور التي تُظهر الحشود الفلسطينية وهي تعبر ممر نتساريم سيرًا على الأقدام في طريقها لما تبقى من منازلها في شمال غزة، تعكس على الأرجح أيضاً نهاية الحرب بين إسرائيل وحماس. هذه المشاهد تُحطم كذلك أوهام النصر المطلق التي روج لها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومؤيدوه على مدى أشهر طويلة. ترامب يفضل الضباب وعدم الوضوح، حتى يتخذ قرار. لذلك من الصعب جداً التنبؤ بتصرفاته”.
تحت هذاالعنوان نشرت “هآرتس” مقالاً تحليلياً أمس 28/1 الجاري بقلم “عموس هارئيل”، بدأه بالقول: “من جهة حماس، تقديم موعد الإفراج عن الأسرى هو تنازل تكتيكي لصالح خطوة استراتيجية – عودة السكان إلى شمال القطاع ومنع استمرار القتال ـ القرار النهائي في هذا الشأن يبدو أنه بيد ترامب، والاجتماع المرتقب بينه وبين نتنياهو يبدو مصيريًا. الصور التي تُظهر الحشود الفلسطينية وهي تعبر ممر نتساريم سيرًا على الأقدام في طريقها لما تبقى من منازلها في شمال غزة، تعكس على الأرجح أيضاً نهاية الحرب بين إسرائيل وحماس. هذه المشاهد التي التُقطت أمس (الاثنين) تُحطم كذلك أوهام النصر المطلق التي روج لها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومؤيدوه على مدى أشهر طويلة. طوال معظم فترة الحرب، رفض نتنياهو مناقشة ترتيبات (اليوم التالي) في القطاع، ولم يقبل بإفساح المجال لأي دور للسلطة الفلسطينية في غزة، واستمر في الترويج لسيناريو وهمي يقضي بالقضاء التام على حماس. الآن، من المرجح أنه سيضطر للتنازل عن الكثير مما سعى إليه. هذا الأسبوع، حقق رئيس الوزراء ما أراده. حماس وضعت عقبات أمام تنفيذ المراحل التالية من المرحلة الأولى لصفقة الأسرى، لكن نتنياهو تمكن من تجاوزها. حتى منتصف ليل الأحد، عرقل الموافقة على عودة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الشمال، بعد تراجع حماس عن تعهدها بالإفراج عن الإسرائيلية الأسيرة أرْبِل يهود من نير عوز. في نهاية المطاف، اضطرت حماس إلى التراجع تحت تهديدات نتنياهو والضغط الشعبي الهائل على الأرض. حماس تعهدت، بوساطة وضمانات، بأن يهود ستُطلق سراحها بعد غدٍ إلى جانب المجندة الإسرائيلية الأسيرة أَغَم برغر وأسير إسرائيلي آخر. ومن المتوقع تنفيذ المرحلة التالية، التي تشمل إطلاق سراح ثلاثة أسرى مدنيين إسرائيليين، يوم السبت المقبل. بالتالي، فإن إصرار نتنياهو أدى إلى تقديم موعد الإفراج عن ثلاثة أسرى إسرائيليين لمدة أسبوع، وهو ليس بالأمر القليل”.
وتابع قائلاً: “لكن في الصورة الأكبر، قدّمت حماس تنازلاً تكتيكياً لتحقيق خطوة استراتيجية: إعادة السكان إلى شمال القطاع. بعد عودتهم إلى المناطق المدمرة، سيكون من الصعب على إسرائيل استئناف الحرب وإخلاء المدنيين مجدداً من المناطق التي ستجتاحها، حتى لو انهار الاتفاق بعد الأسابيع الستة للمرحلة الأولى. علاوة على ذلك، رغم انتشار مقاولين أمريكيين من قبل البنتاغون في ممر نتساريم للتأكد من عدم تهريب أسلحة داخل السيارات، لا يوجد رقابة على الحشود التي تعبر سيرًا على الأقدام، ما يرجح أن حماس قد تتمكن من تهريب كمية غير قليلة من العتاد العسكري. كما أن جناحها العسكري، الذي لم ينسحب تماماً من شمال القطاع، قد يتمكن تدريجياً من إعادة بناء كوادره العملياتية. كل هذه تحديات عملياتية أساسية تعيق إسرائيل عن استئناف القتال. ومع ذلك، لا ينبغي تبني السردية الكاذبة التي تحاول حماس الترويج لها حول (انتصارها) في الحرب. الصمود (الصمود في الأرض) قد يتغلب حالياً على تهديدات التهجير و(النكبة) الإسرائيلية، لكن أي شخص زار شمال القطاع في الأشهر الأخيرة يعرف بالفعل ما سيكتشفه الآن المدنيون العائدون: إنها منطقة تعرضت أجزاء كبيرة منها لدمار شامل. الوضع في خان يونس ورفح، في جنوب القطاع، ليس أفضل بكثير. رسمياً، تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين 46 ألفًا، لكن تقديرات الجيش الإسرائيلي تشير إلى أن العدد أعلى من ذلك، حيث لا تزال آلاف الجثث تحت الأنقاض. هذا لا يبدو كـ(نصر فلسطيني). إزالة المباني والبنية التحتية المدمرة قد تستغرق سنوات طويلة. هذه إحدى الأسباب التي دفعت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الحديث فجأة وبصوت عالٍ عن إخلاء جميع السكان من القطاع أثناء عملية إعادة الإعمار— فكرة يرفضها بشدة قادة الدول العربية السنية ـ التي يُنتظر منها تمويل هذا المشروع الضخم. في حماس يدركون أيضاً أنه طالما أن قيادة الحركة لا تزال تمسك بزمام الأمور في القطاع، فسيكون من الصعب عليها إقناع السعوديين، والإماراتيين، وربما حتى القطريين، بتمويل العملية. في مثل هذا السيناريو، يزداد احتمال أن تلجأ حماس إلى استفزاز إسرائيل، مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى حرب جديدة تعيد الخراب مجدداً إلى القطاع. حتى أموال دول النفط لها حدود. حماس تلقت في هذه الحرب ضربة عسكرية قاسية، ربما الأعنف التي وجّهها الجيش الإسرائيلي على عدو منذ قيام إسرائيل. ومع ذلك، لا توجد هنا (حسم) كما بدأ حتى بعض مقدمي قناة 14 الإسرائيلية يدركون. من هنا تنبع الوعود التي يطلقها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يتمسك بمنصبه رغم معارضته لاتفاق تبادل الأسرى، حول العودة السريعة للحرب لحل المشكلة (مرة وإلى الأبد). لكن الحقيقة أبعد من ذلك. استئناف القتال ليس بيد نتنياهو وحده، وبالتأكيد ليس بيد شركائه في اليمين المتطرف. القرار النهائي على ما يبدو بيد ترامب، الذي من المتوقع أن يستضيف رئيس الوزراء الإسرائيلي قريباً في واشنطن في لقاء لا يمكن وصفه هذه المرة إلا بالمصيري”.
وختم المقال بالقول: “ترامب يفضل الضباب وعدم الوضوح، حتى يتخذ قرار. لذلك من الصعب جداً التنبؤ بتصرفاته. لكن وفقاً للإشارات التي تركها في الأسابيع الأخيرة، يبدو أن اهتمامه الأساسي ليس في استئناف الحرب بل في إنهائها. حالياً، يبدو أن هذا هو اتجاه الضغط الذي سيمارسه على نتنياهو — لإتمام صفقة الأسرى، وصفقة ضخمة أمريكية – سعودية – إسرائيلية وربما أيضاً للاعتراف، على الأقل لفظياً، برؤية مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية. نتنياهو، الذي أصر طوال السنوات أنه قادر على إدارة الدولة وأيضاً مواجهة محاكمة جنائية، أُجبر أمس على العودة للإدلاء بشهادته في المحكمة المركزية، على الرغم من أن من الواضح أنه لم يتعافَ بعد من العملية الجراحية التي خضع لها في بداية الشهر. استغل الفرصة لينفي الشائعات عن إصابته بمرض مميت، لكنه لم يوضح علناً حالته الصحية. الآن، في ظل أزمة شخصية وطبية وجنائية وسياسية، قد يُضطر لمواجهة أقوى ضغط مارسه رئيس أمريكي على رئيس وزراء إسرائيلي”.