
ترامب ـ نتنياهو: أمريكا أم إسرائيل أولا؟
“يشير اختيار ترامب لنتنياهو ليكون أول مسؤول أجنبي يزور (البيت الأبيض) إلى الأفضلية الكبرى التي تتمتع بها إسرائيل ضمن إدارة ترامب (والإدارات الأمريكية عموماً) ونتنياهو شخصياً، الذي حظي، أكثر من مرة، بأشكال من الترحيب الهستيري في الكونغرس صعب أن يحظى بها رئيس أمريكي. لا يمكن إخضاع الفلسطينيين وتجاهلهم. يملك ترامب سطوة كبيرة ضمن المؤسسات التنفيذية والتشريعية (الكونغرس بغرفتيه) والقضائية (عدد المؤيدين له في المحكمة العليا) كما أنه في ولايته الثانية والأخيرة. وهذا يعني أنه لن يتردد في قراراته، غير أن هذا كله لا يعني أنه (الرجل الخارق) الذي يستطيع التغلب على كل التناقضات التي وضعها بنفسه، وعلى رأسها طبعاً، الموضوع الفلسطيني”.
بهذا السؤال الكبير عنونت صحيفة “القدس العربي” افتتاحيتها اليوم 30/1 الجاري، حيث استهلتها بالقول: “تباهى مكتب بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة إسرائيل، بأنه سيكون (أول زعيم أجنبي تتم دعوته إلى البيت الأبيض خلال الولاية الثانية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب). يجيء هذا بعد نشر ترامب، قبل أسبوعين، شريط فيديو يقول فيه بروفسور أمريكي إن (نتنياهو أدخلنا بحروب لا نهاية لها). إذا كانت تلك رسالة للضغط على نتنياهو الذي كان يحاول التملّص خلال مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، فقد نجحت تلك الرسالة فعلا ودخل الاتفاق مع حركة (حماس) حيز التنفيذ بعد يومين على نشرها. غير أن ترامب، ما لبث أن قدّم لنتنياهو، وشركائه المتطرفين في الحكومة، هدية سياسية كبرى تمثلت باقتراحه نقل سكان قطاع غزة الى مصر والأردن، ثم أعاد التشديد على هذه الفكرة الاثنين الماضي، بدعوى أنه يريد نقل الفلسطينيين إلى مناطق (أكثر أماناً) مضيفا أن ذلك (النقل) سيكون (مؤقتا أو طويل الأجل) وهو ما تلقفه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش الذي قال إنه يعمل مع نتنياهو على (إعداد خطة لضمان تحقيق رؤية الرئيس الأمريكي)!
من جهة أخرى، قام ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، بزيارة قصيرة إلى غزة، وهي خطوة غير مسبوقة، وقال ترامب إنه سيبحث، في اجتماعه المقبل بنتنياهو في 4 شباط/فبراير المقبل، (حل الدولتين) لكن من غير المعلوم كيف سيعيد ترامب موضعة هذه المسألة ضمن أجندته المتناقضة الأهداف في الشرق الأوسط، والتي ساهمت، من جهة، في الضغط على حكومة إسرائيل لقبول وقف إطلاق النار، ثم أعلنت، بشكل مباشر، دعم سياسات التطهير العرقي الإسرائيلية ضد الفلسطينيين”.
وتابعت الافتتاحية قائلة: “يزداد الأمر ارتباكا مع خطط ترامب الأخرى للشرق الأوسط، التي لا يمكن، بأي حال، فصلها عن القضية الفلسطينية، ومنها إعادة تحريك خططه السابقة حول التطبيع العربي مع إسرائيل عبر ما يسمى (صفقة القرن) وتوسيع (اتفاقات ابراهام) في اتجاه السعودية؛ وخطط سحب القوات الأمريكية من سوريا، وهو ما (أثار قلقا بالغا في تل أبيب) حسب هيئة البث الإسرائيلية؛ وكذلك خططه لممارسة (أقصى درجات الضغط) على إيران لإجبارها على التفاوض على اتفاقية تحد من برامجها للأسلحة النووية والباليستية. كانت عملية (طوفان الأقصى) والحرب الهمجية الإسرائيلية على القطاع إعلاناً قاصماً عن وصول مخطط ترامب لتجاهل القضية الفلسطينية، والأمل بإنجاز صفقة تطبيع كبرى تضم السعودية، الذي تابعته إدارة جو بايدن عملياً، إلى طريق مسدود، مذكرة بأنه لا يمكن إخضاع الفلسطينيين وتجاهلهم. يشير اختيار ترامب لنتنياهو ليكون أول مسؤول أجنبي يزور (البيت الأبيض) إلى الأفضلية الكبرى التي تتمتع بها إسرائيل ضمن إدارة ترامب (والإدارات الأمريكية عموماً) ونتنياهو شخصياً، الذي حظي، أكثر من مرة، بأشكال من الترحيب الهستيري في الكونغرس صعب أن يحظى بها رئيس أمريكي. لكن الأمر يختلف طبعاً، حين يتعلّق الأمر بشخص ترامب الفريد، الذي يحترم (الزعماء الأقوياء) ويحسب حساب النفوذ الإسرائيلي القوي في المؤسسات السياسية الأمريكية، ولكنه لن يقبل منافسة له على الساحة الداخلية الأمريكية من أي زعيم داخلي أو أجنبي، كما أنه قد يكون الرئيس الأمريكي الأكثر جرأة سواء تعلّق الأمر بإسرائيل، أو القضايا الخارجية الأخرى”.
وخلصت الافتتاحية للقول: “يملك ترامب سطوة كبيرة ضمن المؤسسات التنفيذية والتشريعية (الكونغرس بغرفتيه) والقضائية (عدد المؤيدين له في المحكمة العليا) كما أنه في ولايته الثانية والأخيرة (إلا إذا قرر الترشح مجدداً وخرق الدستور الأمريكي كما اقترح حليفه المتطرف ستيف بانون!) وهذا يعني أنه لن يتردد في قراراته مخافة عدم انتخابه مجدداً، غير أن هذا كله لا يعني أنه (الرجل الخارق) الذي يستطيع التغلب على كل التناقضات التي وضعها بنفسه، وعلى رأسها طبعاً، الموضوع الفلسطيني”.