
“مقابر الأرقام تتخد الأرقام بديلاً لأسماء الشهداء، حيث لكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهة الأمنية المسؤولة، ويحتوي المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد. بالإضافة إلى بعض الشهداء المختطفة جثامينهم يتم احتجازهم في ثلاجات خاصة. بعضها يدفن من دون أن ترفق معه بطاقة حديدية يكتب فيها اسم الشهيد ورقمه وتاريخ استشهاده، على عكس ما تفرضه التعليمات العسكرية الإسرائيلية المكتوبة، وقد أدى هذا الإهمال والتعامل غير الإنساني إلى صعوبات في التعرف على جثامين بعض الشهداء لدى استخراجها بعد سنوات طويلة. الجثامين في مقبرة “جسر بنات يعقوب” كانت تدفن في التربة مباشرة، بدون وجود طبقة من الباطون تحميها من الانجراف. وقد أدت مياه الأمطار إلى انجراف بعض القبور، وإلى تداخل عظام الشهداء في أكثر من قبر، وتعتبر المقابر حسب قرار الجيش مناطق عسكرية مغلقة لا يسمح الدخول اليها الا بقرار من قائد المنطقة. ولا يزال هذا الملف يكتنفه الكثير من الغموض، وينتظر أن يفرض القانون الإنساني الدولي نفسه على هذا (الكيان) المارق، وتأخذ العدالة مجراها بعد طول انتظار، ليس في هذا الملف الشائك فحسب، وإنما في الكثير من الملفات المشابهة المتراكمة منذ وعد بلفور المشؤوم، فمَن سيقرع الجرس، ومتى؟!
مقابر الأرقام هو اسم رمزي لمجموعة كبيرة من المقابر السرية التي ابتكرها “الكيان” المجرم من أجل دفن جثث الضحايا والأسرى بها، حيث يحتجز بها حالياً أعداداً كبيرة من جثامين الضحايا الفلسطينيين والعرب إلى جانب جثامين المتوفين من الأسرى في سجونه الوحشية. ويعد ملف احتجاز جثامين الشهداء من الدلائل على أفعال دولة الاحتلال اللاإنسانية وغير المبررة، فمقابر الأرقام أو “مقابر ضحايا الأعداء” كما تطلق عليها دولة الاحتلال، يمكن تعريفها بأنها مدافن بسيطة محاطة بالحجارة بدون شواهد، وتثبت فوق كل قبر لوحة معدنية تحمل رقماً معيناً، ولهذا سميت بمقابر الأرقام لأنها تتخد الأرقام بديلاً لأسماء الشهداء، حيث لكل رقم ملف خاص تحتفظ به الجهة الأمنية المسؤولة، ويحتوي المعلومات والبيانات الخاصة بكل شهيد. بالإضافة إلى بعض الشهداء المختطفة جثامينهم الذين يتم احتجازهم في ثلاجات خاصة.
التأسيس
هناك بعض الجهات التي تقول ان تأسيس تلك المقابر كان مع قيام دولة الاحتلال، لكن بحسب اعترافاتهم يدّعون أن فترة تأسيس هذه المقابر كان مع بداية حرب عام 1967، ولا تعرف تلك الجهات عددها الحقيقي، أوأماكن وجودها، ولا عدد الشهداء المدفونين داخلها وهوياتهم. ولم يعرف حتى الآن سوى أربعة منها، بعد أن ظهرت إحداها على شاشات التلفزة، عندما بدأت سلطات الإحتلال بتجريفها لإخراج الجثامين منها، تمهيدا لتسليمها بموجب إحدى صفقات التبادل.
التسمية والمعروف من هذه المقابر
سميت مقابر الأرقام بهذا الاسم، لأن كل قبر منها يحوي على رقم خاص به لا يتكرر مع آخر، وكل رقم من هذه الأرقام دال على ضحية معينة، ويرتبط رقم قبره بملف عن المدفون وحياته تحتفظ به الجهة المختصة للاحتلال. وقد تم الكشف عن عدد قليل من هذه المقابر ومنها:
- مقبرة الأرقام المجاورة لجسر “بنات يعقوب”وتقع في منطقة عسكرية، عند ملتقى الحدود الإسرائيلية – السورية – اللبنانية، وبها ما يقرب من 500 قبر، لشهداء فلسطينيين ولبنانيين، غالبيتهم ممن سقطوا في حرب 1982، وما بعد ذلك.
- مقبرة الأرقامالواقعة في المنطقة العسكرية المغلقة بين مدينة أريحاوجسر دامية في غور الأردن، وهي محاطة بجدار ولها بوابة حديدية، معلق فوقها لافتة كبيرة كتب عليها بالعبرية: مقبرة لضحايا العدو، ويوجد فيها أكثر من 100 قبر، وتحمل هذه القبور أرقاماً من “5003 – 5107″، ويحتمل أن تكون هذه الأرقام تسلسليه لقبور في مقابر أخرى، إلا أن السلطات الإسرائيلية تدعي بأنها مجرد رموز إدارية لا تعكس العدد الحقيقي للجثث المحتجزة في مقابر أخرى.
- مقبرة “ريفيديم”وتقع أيضاً في غور الأردن.
- مقبرة “شحيطة”وتقع في قرية وادي الحمام، شمال مدينة طبرياالواقعة بين جبل أربيل وبحيرة طبريا. غالبية الجثامين فيها لشهداء معارك منطقة الأغوار بين عامي 1965 – 1975. وفي الجهة الشمالية من هذه المقبرة، تصطف نحو 30 من الأضرحة في صفين طويلين، فيما ينتشر في وسطها نحو 20 ضريحاً.
ويوجد بهذه المقابر المكتشفة نحو 349 جثة.
ظروف احتجاز جثامين الشهداء
يتم دفن الجثامين المحتجزة في هذه المقابر بعمق قليل جداً، ويتم وضعهم بأكياس من البلاستيك، بحيث لا يمكن تشخيص الجثث الا بفحص طبي. كما تأكد ان بعض هذه الجثامين تدفن من دون تصويرها أو حتى إصدار أمر دفن من ضابط المنطقة الإسرائيلي، وبعضها يدفن من دون أن ترفق معه بطاقة حديدية يكتب فيها اسم الشهيد ورقمه وتاريخ استشهاده، على عكس ما تفرضه التعليمات العسكرية الإسرائيلية المكتوبة، وقد أدى هذا الإهمال والتعامل غير الإنساني إلى صعوبات في التعرف على جثامين بعض الشهداء لدى استخراجها بعد سنوات طويلة. كذلك لجأ جيش الاحتلال إلى تسجيل أرقام الشهداء على الأكياس البلاستيكية التي توضع فيها الجثامين بواسطة قلم “فلوماستر”، الذي سرعان ما يُمحى حبره بفعل العوامل البيئية في التربة. كما أن اللافتات الحديدية التي تحمل رقم الشهيد والموضوعة على قبره غير مثبتة بما فيه الكفاية، ويمكن أن تتحرك من مكانها بفعل العوامل الجويّة. والأخطر من ذلك عندما تم اكتشاف أن الجثامين في مقبرة “جسر بنات يعقوب” كانت تدفن في التربة مباشرة، بدون وجود طبقة من الباطون تحميها من الانجراف. وقد أدت مياه الأمطار إلى انجراف بعض القبور، وإلى تداخل عظام الشهداء في أكثر من قبر، وتعتبر المقابر حسب قرار الجيش مناطق عسكرية مغلقة لا يسمح الدخول اليها الا بقرار من قائد المنطقة.
مقابر الارقام وتجارة الأعضاء
قامت دولة الاحتلال بتاريخ 17-8-2009 بشن هجوم قوي على الأعلام السويدي، حيث قام الصحفي دونالد بوتسروم السويدي بكتابة مقالة على صحيفة المساء السويدية، يؤكد على أن دولة الاحتلال وعصاباتها تقوم بعمليات الإتجار بأعضاء الشهداء، وخصّ في المقال الولايات المتحدة الأمريكية التي تقوم بسرقة أعضاء الشهداء في مقابر الأرقام، وحمل المقال عنوان”انهم ينهبون أعضاء أولادنا”.
في القانون الدولي الإنساني المكتوب
تعتبر جريمة مقابر الأرقام من الجرائم المسجلة في سجل دولة الاحتلال الإسرائيلي حسب القانون الدولي، والقانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني، حيث يعتبر هذا الفعل فعل معيب لا اخلاقي متمثل باحتجاز شخص ميت تدعي زوراً وبهتاناً أنه يشكل خطر عليها، وهو ما يمثّل أعتداء سافر على مواد الإعلان العالمي للأمم المتحدة حول الاختفاء القسري الذي يعتبر تلك الأعمال جريمة ضد الإنسانية، واعتداء واضحاً وسافراً أيضاً على اتفاقيات جنيف حيث ان جثمان الشهداء والمفقودين لهم حماية خاصة تكفلها تلك الاتفاقيات، وتكفل الحق أيضاً للميت وليس فقط للإنسان الحي، رغم أن دولة الاحتلال قامت بالتوقيع على الاتفاقيات الأربعة. ومن المواد التي تقوم بانتهاكها:
ـ إتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب.
ـ إتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.
ـ الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، 1977.
القانون الدولي الإنساني العرفي
ـ إنتهاك القواعد 112 إلى 116 التي تنص على التدابير الخاصة بالبحث عن الموتى وجمعهم والتعامل معهم وإخلائهم وإعادة رفاتهم.
ـ القاعدة 113 التي تنص على أنه يتخذ كل طرف في النزاع كل الإجراءات الممكنة لمنع سلب الموتى ويحظر تشويه جثث الموتى. وتنطبق هذه القاعدة على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
ـ القاعدة 114 التي تنص على أنه (تسعى أطراف النزاع إلى تسهيل إعادة رفات الموتى بناء على طلب الطرف الذي ينتمون إليه أو بناء على طلب أقرب الناس إلى المتوفى. كما تعاد أمتعتهم الشخصية)، وتنطبق هذه القاعدة على النزاعات المسلحة الدولية فحسب.
ـ القاعدة 115 التي تنص على أنه تعامل جثث الموتى بطريقة تتسم بالاحترام وتحترم قبورهم وتصان بشكل ملائم وتنطبق هذه القاعدة على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. وتنص اتفاقيات جنيف على أنه يجب دفن الموتى، إذا أمكن، وفقًا لشعائر دينهم.
هذا غيض من فيض، ولا يزال هذا الملف يكتنفه الكثير من الغموض، وينتظر أن يفرض القانون الإنساني الدولي نفسه على هذا “الكيان” المارق، وتأخذ العدالة مجراها بعد طول انتظار، ليس في هذا الملف الشائك فحسب، وإنما في الكثير من الملفات المشابهة المتراكمة منذ وعد بلفور المشؤوم، فمَن سيقرع الجرس، ومتى؟!