صحافة ورأي

حول خلفيات وآفاق التعاون بين أنقرة ودمشق في برنامج زيارة الشرع لتركيا (الجزء الثاني)

د. أيمن أبو الشعر

• تركيا تود أن تقضي قوات سوريا الجديدة على قوات قسد وعدم السماح لها بالنشاط كقوة يمكن أن تهدد أمنها
• وزارة الدفاع الأمريكية تعمل جديا على الإعداد للانسحاب من سوريا وترامب يعتبر أن الولايات المتحدة ليست بحاجة للتدخل في ذاك البلد

ملفات حاسمة في لقاء الشرع بأردوغان

لا شك أن اللقاء كان نوعيا خاصة أن الطرفين يمكن أن يحتفلا معا بنجاح مخططاتهما التي استطاعت أن تذر الرماد في أعين الروس والإيرانيين على حد سواء، وليس ذلك نتيجة ضعف هاتين الدولتين بقدر ما هو نتيجة أن الوضع في سوريا أصبح غير محتمل: فساد حتى الحد الأقصى، وتهلهل حتى اللامسوؤلية المطلقة، وفقر مدقع، ودمار وخراب وقتلى ومشردون وإحساس متنام بأن كل ذلك عبثي بلا طائل، تضحيات مجانية، في حين كان الطرف الآخر وتحديدا القوى الإسلامية تستعد وتتضافر، وتتلقى الدعم اللازم، كما أن آلاف الأطفال الذين غادروا عدة مناطق في دمشق وأريافها بداية الأزمة، غدوا خلال الثلاثة عشر عاما من الصراع شبابا ورجالا أشداء، وأظهروا إرادة وبأسا وتنظيما حقيقيا… في الوقت الذي غابت عن القوى المسلحة تماما قوى اليسار، ولكن لذلك حديثا آخر.

تم اللقاء إذن وسط أجواء تنتظر حدوث طفرة نوعية في العلاقات بين البلدين المنتصرين، بل يمكن القول أن تركيا كانت المنتصر الأكبر، ولم يكن صدفة أن تعبر تصريحات إيران عن خيبة أمل كبيرة وألم شديد، وأن تسعى روسيا للحفاظ على خيوط تواصل مع دمشق بزيارة بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسية إلى دمشق، وذلك بعد أن باتت تلوح في الأفق احتمالات طلب دمشق من القيادة الروسية أن تسحب قاعدتيها من الساحل السوري، حتى أن الرئيس بوتن كلف الأجهزة الأمنية بدراسة حقيقة ما جرى: كيف تمكن “الثوار” من احتلال دمشق وجميع المدن السورية دون مقاومة تذكر وخلال أيام معدودة.

جوهر اللقاء

المهم في الأمر أن جدول الأعمال شمل العديد من القضايا التي لا يمكن حلها لا جميعها ولا فرادى في هذا اللقاء، وذلك بالدرجة الرئيسية لأن السلطات في دمشق لم تستنهض تشغيل مؤسساتها بالشكل اللازم بعد، لا اقتصاديا ولا عسكريا ولا حتى سياسيا، فهي في مرحلة إعادة البناء، ومع ذلك يمكن أن نلاحظ بوضوح أن المحاور الرئيسية هي:

أولا القضية المركزية الأمنية بالنسبة لتركيا هي وحدات حماية الشعب الكردي التي تشكل العمود الفقري لقسد والتي تعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة حزبا إرهابيا، وترغب في أن تقضي القوات السورية على هذا التنظيم وأن تُرحِّل القادمين من الخارج من الأكراد، وأنقرة تدرك أن هذه المسألة شائكة كون واشنطن هي التي تدعم الأكراد في سوريا، ولكن المراقبين المخضرمين يعتقدون أن ترامب يمكن إن عقدت معه أنقرة صفقة مربحة بالنسبة له ولو بنسبة ضئيلة يمكن أ ن يتخلى عن الأكراد. سنعود إلى هذا الأمر بعد قليل.

ثانيا إقامة قاعدة جوية وهناك أحاديث حول قاعدتين تركيتين في المناطق الوسطى “البادية” إضافة إلى القواعد البرية الموجودة في الشمال السوري الأمر الذي يحتاج إما للتنسيق مع واشنطن أو بعد سحب القوات الأمريكية من سوريا.

ثالثا الإعداد لاتفاقية دفاع مشترك وأن تقوم القوات التركية بتدريب القوات السورية التي يتم تشكيل الجيش منها الآن.

رابعا عودة اللاجئين السوريين على دفعات بعد تهيئة الأجواء اللازمة لذلك في سورية لكي تكون قادرة على استيعابهم، وبحيث لا يحدث خلل اقتصادي بشأن العمالة في تركيا.

المساهمة في إعادة الإعمار في سورية وتزويد سوريا بالكهرباء واستئناف وتنشيط الرحلات الجوية
وينتظر المراقبون الآن كيف ستحل مسألة الوجود الأمريكي في سورية خاصة أن قوات قسد هي التي تملك مفاتيح سجون عناصر داعش وهم بالآلاف، والمفارقة هنا تكمن في أن اردوغان وعد بتقديم جميع أشكال الدعم لسوريا للقضاء على الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة “داعش” أو حزب العمال الكردستاني… والذي تقبع سجون داعش تحت سيطرته.

تزايد احتمال انسحب القوات الأمريكية من سورية

لم تعد مسألة احتمال انسحاب القوات الأمريكية من سورية مجرد تقدير عابر بل حاجة ملحة تفرضها التطورات الميدانية على أرض الواقع فقد تحدثت شبكة إن بي سي نيوز أن وزارة الدفاع الأمريكية تعمل جديا على الإعداد للانسحاب من سوريا وذلك بعد تصريحات أو تلميحات للرئيس ترامب بهذا الشأن حيث أوضح أن الولايات المتحدة ليست منخرطة بأحداث سورية بل ليست بحاجة للتدخل في ذاك البلد الأمر الذي كان قد نوه به إبان مرحلته الرئاسية السابقة، وحسب الشبكة الإعلامية الأمريكية فإن تنفيذ خدد الانسحاب قد تتم خلال تسعين يوما لا أكثر، وتبرز هنا بقوة مسألة كيف ستتصرف قوات سورية الديمقراطية في حال انسحاب القوات الأمريكية، فهي حتى الآن تقول أن الأمريكان لم يبلغوها أي قرار بهذا الشأن، لكن قيادة قسد تبدي تخوفا جديا بهذا الشأن، صحيح أن هذه القوات مدربة ومنظمة بشكل جيد، ولكنها لن تصمد أمام تجييش كامل القوات السورية مع قوات المواجهة الرئيسية في الجيش السوري الحر، وبدعم مباشر من تركيا بل ومساهمة جدية بعد إنشاء قاعدتين تركيتين في البادية غير بعيد عن مواقع قسد. يتداخل ذلك بالطبع مع رغبة الإدارة السورية الجديدة في السيطرة على كامل الأراضي السورية ونزع سلاح قسد وضم قواتها إن شاءت إلى تركيبة الجيش السوري الجديد حيث ما زالت الحوارات مستمرة بهذا الشأن.

وحسب معظم المحللين فإن واشنطن قد تتريث في الانسحاب حتى تضمن السيطرة الكاملة على داعش وعدم انفلاتها مجددا، ويرجح أن تضمن تركيا هذا الملف الخطير بالتعاون مع عدد من العواصم العربية.

هل ستسحب روسيا قواعدها

منطقيا لا يرجح أن تطرح تركيا مثل هذه الشروط للتعاون مع دمشق ومساعدتها، ولكن الواضح أن سورية ستتبنى عقيدة عسكرية جديدة أقرب إلى العقيدة التركية وتستغني عن المساهمات الروسية سواء في التسليح أو التدريب، فقد أكدت أنقرة ودمشق على التعاون الأمني والعسكري بما في ذلك تدريب الجيش السوري وحتى إنشاء قواعد تركية جديدة في سوريا كما ذكرنا آنفا، الأمر الذي يمكن أن يتم لاحقا مع وجود القاعدتين الروسيتين في اللاذقية وطرطوس، ويلفت النظر في هذا المجال ما أعلنه علي كندة وزير الداخلية السوري الجديد، حيث أوضح أن التعاون مع روسيا يخدم المصالح السورية، وأن المفاوضات بشأن القاعدتين الروسيتين في سوريا ما زالت مستمرة، وركز على أن هذه العلاقات تقوم على مبدأ الاحترام المتبادل مشددا على أن العلاقة اليوم تختلف عما كانت عليه إبان النظام السابق، ورغم صعوبة تقدير ما يمكن أن تتمخض عنه المفاوضات مع الجانب الروسي، فإن احتمال سحب روسيا بمبادرة منها للقاعدتين من سوريا أمر وارد لاغم تصريحات وزير الدفاع السوري الجديد مرهف أبو قصرة بأن سوريا مستعدة لإبقاء هاتين القاعدتين في حميميم وطرطوس إن كانتا ستلبيان مصالح سورية، ولكنهما قد يفقدان أهمية الدور الذي يمكن أن تقوما به هناك، اللهم إلا ضمان أمن وحرية ملاحة السفن والأساطيل الروسية واحتياجاتها اللوجستية، ودعم نفوذها المتزايد في إفريقيا، لذا قد تُحوِّل موسكو هاتين القاعدتين إلى القارة السمراء إن أقرت سحبهما من سوريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى