صحافة ورأي
حماس جزءا من منظمة التحرير الفلسطينية – بقلم: رامي الشاعر
تعمد نتنياهو، منذ بدء عدوانه على قطاع غزة، إلى استبعاد أي دور للسلطة الفلسطينية بعد انتهائه من جرائم الإبادة الجماعية ومجازر قتل الأطفال والنساء في قطاع غزة، التي يحاول بيعها للرأي العام الغربي والعالمي تحت مسمى “تدمير حماس”.
يتابع نتنياهو، بالتوازي مع ما يرتكبه من جرائم حرب في القطاع، حملات الدهم والاقتحامات والاعتقالات في عموم مدن الضفة، بهدف تقويض السلطة، والقضاء على أي دور محتمل للسلطة في تطبيق حل الدولتين، بل ويحرض بشكل مباشر، جهارا وعلانية وبلا حياء، ضد قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية، باتهامها بـ “عدم إدانة هجوم حماس”، و”تمويل الإرهاب”، ويريد إنهاء أي تمثيل رسمي فلسطيني يتعامل معه المجتمع الدولي.
ومؤخرا، صعّد نتنياهو من نبرته بوضع احتمال “القتال ضد السلطة وأجهزتها الأمنية” على الطاولة، واصفاً اتفاق أوسلو بأنه “خطأ إسرائيل الأكبر”، وشبه السلطة بحماس، وقال إن الفرق بينهما هو أن حماس تريد “إبادة فورية” للإسرائيليين، بينما تخطط السلطة لذلك “على مراحل”.
إنها بارانويا (مرض جنون الارتياب) واضحة متكاملة الأركان، بينما يظن المريض الصهيوني في إسرائيل أن الجميع يضطهدونه، ويسعون لقتله وتدميره وإفنائه، في الوقت الذي يقوم هو بكل ما يملك من آلة تدميرية بتدمير كل من حوله، بدعوى “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وبذريعة أنهم “يريدون قتلنا”.
لقد أعلنت الدول العربية جميعاً عن استعدادها للسلام، وأعربت إيران عن استعدادها للسلام، وأعرب العالم أجمع عن استعداده للسلام والتسوية في الشرق الأوسط في إطار حل الدولتين، فلسطينية وإسرائيلية يعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام، وهناك مؤشرات شبه رسمية أن حماس مستعدة للانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية، المعترف بها دولياً كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، في الوقت الذي تنص فيه قرارات الأمم المتحدة على وجوب إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، كحل وحيد لبدء التفاوض بشأن خطوات التسوية. لذلك، يتعين علينا اليوم استعادة الوحدة الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما يجب أن يحدث اليوم قبل غداً، ولا أتفهم لماذا لا يعلن عن ذلك فوراً، لا سيما أن أغلبية القيادة الفلسطينية للتنظيمات من قيادات الصف الأول متواجدة خارج قطاع غزة والضفة الغربية، على سبيل المثال يمكن أن تجتمع القيادات غدا في الدوحة، وأنا على ثقة تامة أن قطر ستؤمن لهم جميع الظروف الأمنية وتسهيلات الإقامة وتكاليف الوصول إليها، وسيكون هذا هو الرد النموذجي ضد سياسات نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، التي تصر على تعميق الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، واستهداف جميع مناحي الحياة المدنية والإنسانية في القطاع، بما في ذلك الإبادة الكاملة والشاملة المتواصلة للمستشفيات ومدارس الإيواء ومنازل المواطنين وكامل البنية التحتية من شمال القطاع إلى جنوبه، في حرب شرسة على المدنيين لا على أي أحد آخر.
إضافة إلى سياسات نتنياهو في الإبقاء على الاحتلال ورفض حل الدولتين، يصر هو في هلاوسه وأوهامه على البحث عن “سلطة مدنية” تناسبه، دون أن تكون من حماس أو فتح أو من السلطة أو ربما فلسطينية بالأساس. لذلك أكرر أن الأهم وفوراً هو استعادة مكانة منظمة التحرير الفلسطينية، وأشير إلى أن السلطة الوطنية الفلسطينية، التي تشكلت استنادا إلى اتفاق أوسلو لا تحظى باعتراف دولي مثبت بقرار من الأمم المتحدة، ولهذا السبب يتجرأ نتنياهو بمهاجمة السلطة في الضفة، ويهددها بالقتال، وتصفية أجهزتها الأمنية.
وبرغم أي امتعاض يمكن أن تبطنه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للحكومة المتطرفة في إسرائيل، وبرغم أي جفاء يمكن أن يظهر في أي من التصريحات الأمريكية، إلا أن الإدارة الأمريكية تظهر ضعفاً واضحاً ومهيناً تجاه إسرائيل، يتمثل في تورطها بالقتل بإرسال آلاف القنابل يومياً إلى إسرائيل، ذات القنابل التي تقتل شعبنا المدني الأعزل.
وعلى الرغم من إعلان الرئيس بايدن، وأركان إدارته في جميع المحافل الدولية عن رؤيتهم للتسوية الفلسطينية من خلال حل الدولتين، إلا أنهم، وفي الوقت نفسه، يعجزون عن إدانة تصريحات نتنياهو برفض حل الدولتين، بل ويعجزون حتى في فرض وقف إطلاق النار، والوقوف مع بقية دول العالم التي اتحدت في قراري مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة أمام فيتو أمريكي عاجز وخانع أمام الإرادة الإسرائيلية للدمار والقتل.
إلا أن للصبر حدود، ويبدو أن هناك في داخل الإدارة الأمريكية من بدأ يدرك أن إسرائيل تجر الولايات المتحدة إلى مستنقع آسن من العزلة الدولية، حيث تقف جميع دول العالم إلى جانب الشعب الفلسطيني، وانتشرت تفاصيل القضية على أوسع نطاق ممكن منذ بدايتها، حتى بين غير المهتمين بالسياسة الدولية أو بمنطقة الشرق الأوسط، تماماً كما بدأ النواب في مجلس الشيوخ الأمريكي يتساءلون حول مصير المليارات التي ذهبت من جيوب دافعي الضرائب الأمريكيين إلى أوكرانيا، وانتهى بها الأمر إلى مرافئ مالية آمنة، ومؤسسات غسيل أموال وتجارة سلاح في السوق السوداء وغيرها من ثقوب الفساد الأوكرانية.
يبدو أن هناك من بدأ في التفكير في أن نتنياهو عليه أن يذهب غير مأسوف عليه، بعد أن فشل في إدارة الأزمة، وتسببت حكومته المتطرفة فيما آلت إليه الأمور من وضع غير مسبوق. ولا شك أنها لحظة مواتية لنا كي نعلن عن ضرورة اضطلاع العالم الحر بمسؤوليته، وطرح قضية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على طاولة الأمم المتحدة، والاعتراف بالعضوية الكاملة لمنظمة التحرير الفلسطينية في الأمم المتحدة بدلا من وضعها الحالي كعضو مراقب، تمهيدا لإعلان دولتنا المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 كما تنص كافة القرارات الأممية.
إن تصريحات نتنياهو الأخيرة تنم عن ضعف وهزال سياسي، ومهاجمته “أوسلو”، على الرغم من تحفظي عليها، يعني أنه أفلس سياسياً بالكامل. إنني أعتبر أوسلو فخا نصب لنا، ولكن بفضل حكمة وإرادة وتضحيات شعبنا الفلسطيني الأبيّ انقلبت الأوضاع رأسا على عقب، ووقعت واشنطن وتل أبيب بهذا الفخ، الذي أصبحت نتيجته اليوم انقلاب العالم بأجمعه ضدهم، لكن بثمن باهظ للغاية، 30 عاما من السجن الجماعي في الضفة والقطاع وحوالي 20 ألف شهيد في الشهرين الأخيرين وحدهما. لقد حان الوقت لكي يفسح المجال لمن يستطيع الحوار، والجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وقد صرح جميع زعماء العالم وأكدوا على أن حل الدولتين هو الحل الوحيد الممكن والمستدام لتسوية القضية الفلسطينية، وأعتقد أن الشعب الإسرائيلي يجب أن يعي التحديات الوجودية التي تواجهه، لا سيما في ظل التضامن العربي والإسلامي والمسيحي مع القضية الفلسطينية، وهو ما يمكن بالفعل أن يهدد الوجود الإسرائيلي في المنطقة بأسره. خاصة وأن بعض الشيوخ في الجوامع قد بدأوا يعلنون عن فتاوى لمحاربة الإسرائيليين.
نحن أمة تسعى إلى السلام، ولا يريد شعبنا الفلسطيني سوى حقوقه المشروعة كاملة غير منقوصة، ولا يبغي أي منا العدوان، لكننا نكره الظلم، وقد صبرنا عقودا على درجة مريعة من القمع والعنف والتعذيب والقتل، أكثر بكثير مما تعرضت له الأمة اليهودية في “الهولوكوست”، لهذا فقد آن الأوان لأمتنا أن تستريح، وأن تحصل على حقوقها، ويجب على العالم أن يتفهم ذلك، بعد أن أدرك ويدرك يوما بعد يوم أن حماس هي جزء من كل، وأن ما يجري الآن لا يستهدف حماس بقدر ما يستهدف الشعب الفلسطيني بأطفاله وأمهاته وأرضه وقضيته.
لا أتصور أن تستيقظ الإدارة الأمريكية من تبعيتها المذلة لمجرم الحرب بنيامين نتنياهو، بل أتوقع أن يكنسها التاريخ معه إلى المزبلة كدولة تسببت في أكبر عدد من الصراعات والحروب حول العالم، وأتوقع أن يكون ميلاد العالم متعدد الأقطاب هو إشارة البدء لهذا المسار. وأعتقد أن هذا هو ما تخاف منه إسرائيل، ويخاف منه نتنياهو، ولهذا السبب يصر ويحاول قدر استطاعته إنجاز جرائمه ومجازره في مسعى يائس بائس لإيقاف عجلة التاريخ، التي لم تتوقف يوما، ولن تتوقف.
إن شعبنا الفلسطيني ينتظر مبادرة من قيادات التنظيمات الفلسطينية قبل نهاية العام الحالي بشأن استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وهو ما سيكون تكريماً لشهدائنا الأبطال، لا سيما الأطفال والنساء منهم.