تمر علينا اليوم الذكرى العاشرة لاطلاق المنبر العربي المتميز صحيفة “راي اليوم” الالكترونية، بمبادرة من الاخ الاستاذ عبد الباري عطوان، الصحفي الفلسطيني ابن المخيم المعدم، الذي استطاع بجهوده ان يشق طريقه بجدارة في عالم الصحافة، ليصبح احد اكبر الصحفيين العرب واهمهم في الوقت الحاضر. وكاي صحفي ناجح فلقد اتفق معه الكثيرون واختلف معه اخرون. ولكن الكل اجمعوا على كفاءته وقدرته على استقطاب القراء حول ما يكتب، او قدرته على شد المستمع عندما يتحدث. ولعلي لا ابالغ ان قلت ان مكانته في الاعلام الدولي لا تقل عن مكانته عربيا.
استطاعت “راي اليوم”، وفي وقت قصير، ان تشق طريقها بنجاح في عالم الصحافة، وان تستقطب عددا كبيرا من القراء الذين ربما وصل عددهم الى اكثر من ستمائة وخمسين الف قاريء يوميا، وهو رقم لم تصل اليه صحيفة عربية من قبل، واتمنى ان لا اكون مخطئا. وعلى الرغم من ان الفضل في انشاء هذا المنبر يعود بالاساس الى الاخ ابو خالد، الا ان السبب في سعة الانتشار يتشارك فيه هو والعدد الكبير من الكتاب الاخرين، وكلهم متطوعون للكتابة مجانا، و يحملون بصدق نفس المباديء الوطنية والعروبية الثابتة، اضف الى ذلك ثبات الصحيفة على سياسة الالتزام بقضايا الامة المصيرية. ومن هنا اصبحت الصحيفة من الصحف القليلة جدا التي تجذب القراء المتمسكين بالقضايا العربية الكبرى مثل الوحدة العربية وتحرير فلسطين واحترام حقوق الانسان العربي وحقه في ديمقراطية صادقة والتمسك بالعروبة والاسلام ورفض تجاوزات الاحتلال الاسرائيلي والدعم الامريكي- الغربي اللا محدود للاحتلال وللجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، واستطيع ان اقول وبثقة ان الجريدة اصبحت مرجعا مهما ومحط اهتمام دوائر صنع قرار كثيرة، ناهيك عن اهتمام الدارسين ومراكز البحث، بسبب رصانة ما تنشره من معلومات وتحليلات عميقة. لا بل ان بعض الجهات اصبحت تعتبر الجريدة المجس الذي تقيس بموجبه ما يجري، خاصة في وطننا العربي والشرق الاوسط.
ربما تكون شهادتي بشان الجريدة ورئيس تحريرها مجروحة، وذلك للعلاقة الاخوية التي تربطني به وبالاخت الفاضلة السيدة الكفؤة مها بربار، التي لوحدها تقوم بعمل هيئة تحرير كاملة، ولكن هذه العلاقة لم تمنعني يوما عن التحدث بصراحة عندما اجد ان هناك حاجة للتذكير بامر ما او للتنبيه والتحذير من اخر.
اعترف باني ولفترة من الزمن اصبحت من المدمنين على تصفح موقع راي اليوم يوميا ولأكثر من مرة، والسبب في ذلك هو ان الموقع يحرص على تحديث الاخبار اولا باول. ورغم اني تنبهت لهذه الحالة وحاولت ان اتخلص من هذا الادمان، لاني وجدت نفسي اتشبع باراء وافكار من نمط واحد تتماشى مع افكاري، الامر الذي حرمني من الاطلاع على منابر اخرى. ولكني ومع حرصي على استقاء المعلومات من مصادر مختلفة، الا ان راي اليوم ظلت هي الاساس.
يعجبني في “راي اليوم” تنوع الاراء والافكار، واحيانا، وانا احدث نفسي، لا اتفق مع فكرة منح بعض الكتاب شرف التعبير عن اراء تبدو لي لا تتمتع بالعمق الذي تتصف به باقي الكتابات، ثم وفي احيان اكتشف خطأ رأيي عندما اجد ان هناك من يعلق عليهم. كما يعجبني حرص الجريدة على فتح الباب للعنصر النسوي وللشباب، حتى وان كانت مساهماتهم دون المستوى المطلوب، لان ذلك يمكن ان ينشيء مع مرور الزمن جيلا قادرا على الابداع في هذا المجال. اكثر من صديق اخبرني، واخبر الاخ ابا خالد ايضا، انهم اصبحوا مولعين بقراءة التعليقات اكثر من قراءة المقالات، ولو ان بعض المعلقين بدا او تعود على كتابة تعقيبات اطول من المقال الذي يعلق عليه، والبعض الاخر يشطح ويتحدث عن امور ابعد ما تكون عن صلب المقال، والطريف في الامر انه في حالات عديدة ينقلب الباب المخصص للتعليقات الى حلبة مصارعة وملاكمة بين المعلقين وحول امور لا علاقة لها بموضوع المقال الاساسي. وهناك بعض الاخوة من الكتاب، والذي يشعر في البداية بتهيب من الكتابة في “راي اليوم”، نجده وبعد ان يُنشر له مقالا، يبدا بامطار الصحيفة بمقالات شبه يومية، وهذا ما يضع القائمين على الصحيفة في موقف لا يحسدون عليه نتيجة الكم الكبير من المقالات التي تردهم كل يوم من كتاب مختلفين.
عند الحديث عن “راي اليوم” يجب ان لا نغمط حق ودور (الجيش الصغير) غير المرئي من اولئك الشباب (اعتقد انهم شباب، حيث اني لم التقيهم ابدا)، الذين يشرفون على الموقع الالكتروني ويحافظون عليه في وجه المحاولات المتعددة، ومن جهات معروفة، لتخريبه او تشويه صورته، واولئك الذين يشرفون على فرز وتنقية العدد الكبير من التعليقات التي تصل الى الجريدة، ومن مصاحبتي للجريدة منذ ايامها الاولى، اكتشفت ان هذا الفريق الذي يشرف على فرز ردود الافعال قد اكتسب خبرة ممتازة، واخذ يتعامل بمهنية عالية مع التعليقات، حيث انه لا يشطب او يحجب الا تلك التي تكتب بطريقة غير مؤدبة او تحاول الاساءة بطريقة جارحة، عدا ذلك فانه يمرر الغالبية العظمى من التعليقات، وهذا ما يجعل هذا الباب جاذبا للقراء.
كثيرا ما طلبت ان يتم ايلاء اهمية خاصة الى اللغة العربية ورصانتها عند النشر، وهو امر اعاني انا بنفسي منه، ولكن تعذر الاخ ابا خالد بشحة الموارد وقلة الامكانيات يجعلني في كل مرة اترك الموضوع.
واخيرا ان تجربة “راي اليوم” تبقى تجربة رائدة يجب الحفاظ عليها، ولذلك فان الاخ عبد الباري مطالب ان يجعل منها عملا مؤسسيا، اي يدار من قبل موسسة تمتلك كل مقومات البقاء لسنين قادمة، خاصة في وقت اصبحت فيه المنابر الكبيرة والمهمة التي تمثل طموحات واهداف الامة العربية وحقوق ابنائها، وعلى راسها تحرير فلسطين، قليلة جدا بل ونادرة.
اطال الله في عمر صحيفتنا كي تحتفل بيوبيلها الفضي وهي بنفس التالق والابداع. ومبارك على كتابها وقرائها والقائمين عليها هذه الذكرى الجميلة.
كاتب واكاديمي عراقي