صحافة ورأي

آفاق العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مع دخولها العام الثالث (الجزء الثاني) – بقلم د. أيمن أبو الشعر

• الأرجح أن تنتهي الحرب نهاية هذا العام أو العام القادم كحد أقصى لأن أوكرانيا ستكون عاجزة بشريا عن الاستمرار

• الانعطاف سيبدأ بعد انتخابات البرلمان الأوروبي، ومن ثم الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واتفاقية السلام ستكرس حياد أوكرانيا وبقاء الولايات الخمس ضمن روسيا

كيف ستنتهي الحرب في أوكرانيا ومتى؟ سؤال لا يتجرأ أحد لا من الصحفيين ولا السياسيين على الإجابة عنه. ذاك أن ما يجري ليس حربا بين روسيا وأوكرانيا، بل هي حرب بين والولايات المتحدة المعتدية ومعها الناتو وأوروبا عموما الخادم والمنفذ المطيع كالزومبي لرغبات ومصالح واشنطن حتى لو كانت ضد المصالح الأوربية، وواشنطن لا تريد انتهاء هذه الحرب كونها سعت خلال ثلاثين عاما لتكريس أوكرانيا كحربة متقدمة لمواجهة روسيا،… الذي حدث هو أن روسيا بإدراكها اللعبة وحرقها المراحل عجلت بهذا الصدام لا أكثر…

-أوروبا تخترق المألوف إلى اللامعقول

لو عدنا إلى معاناة أوروبا من النازية لبدا لنا موقفها اليوم أقرب إلى الجنون، فقد عانت أوروبا بشكل مذهل من النازية، والمريع أن الشركات الأمريكية الكبرى كانت تدعم بوضوح قوات هتلر، والأنكى من ذلك أن أجهزة الأعلام الغربية باتت تركز فيما بعد على أن ضحايا النازية هم اليهود وحسب، حتى لكأن الحرب العالمية الثانية كلها، وبكل مآسيها تختصر فيما يسمى بمحرقة اليهود، على الرغم من أن عشرات الملايين راحوا ضحايا الحرب النازية ، فلو وضعت في حيز البحث في غوغول سؤال عن ضحايا النازية في الحرب العالمية الثانية لوجدت أن أكثر من 90% من المواد الإعلامية عن ذلك تتعلق باليهود تحديدا وكأنما لم يكن هناك ضحايا آخرون، حسنا وماذا جرى الآن؟

النازيون الجدد ينشطون ويسيطرون في أوكرانيا بدعم مباشر من أوروبا التي عانت نفسها من النازية، وبدعم من واشنطن التي دعمت شركاتها الرئيسية ذات حين النازية في أوج تصاعدها كشركة “فورد” للسيارات حتى أن هتلر كتب عن هنري فورد في كتابه “كفاحي” مادحا، ودعمت النازية كذلك “جنرال موتورز” التي ساعدت النازيين في إصلاح سياراتهم وغيرها. الغريب بالمناسبة أن النازية “التي اختصرها الإعلام الغربي وكأنها حركة ضد اليهود تحديدا” تعتمد على نظريات المفكر اليهودي داروين في نظرية الارتقاء “البقاء للأقوى”، ولكن ليس هذا محور بحثنا الان، لكن الواضح أن مسألة دعم أوكرانيا بات شبيها بالسعي لتحقيق اليوتوبيا الواهمة عبر الديستوبيا الحقيقية.

ويرجح العقلاء أن أوروبا ستدفع الثمن الأكبر على مبدأ يداك أوكتا وفوك نفخ… فالغالبية العظمى من الشعوب الأوربية تدرك تماما أن أوكرانيا لا يمكن أن تنتصر على روسيا، وأن حرب الاستنزاف في نهاية المطاف ستكون لصالح واشنطن وشركات أسلحتها وبضائعها بما في ذلك الغاز الأمريكي الذي أجبرت أمريكا أوروبا على شرائه بأسعار أغلى بكثير من الغاز الروسي بعد أن نسف ” العفريت” أنبوب نقل الغاز الروسي عبر بحر البلطيق إلى أوروبا.

ما الذي يرجح استمرار الحرب؟

الظروف الحالية بقضها وقضيضها تؤكد أن الحرب ستستمر، ولكن ليس طويلا، فالنار كما هو معروف تحتاج إلى ثلاثة عناصر رئيسية لتلتهب: المواد القابلة للاشتعال، والأوكسجين، والشرارة، وجميع هذه العناصر ما زالت متوفرة لكنها تتناقص: المواد القابلة للاشتعال- وهي الظلم السكاني والجغرافي للمواطنين الروس الذين شعروا فجأة أنهم غرباء في أرضهم التاريخية، والأوكسجين -الذي تمثله المساعدات العسكرية للقوات الأوكرانية، أما الشرارة -فهي هذا التوقد النازي فجأة بدعم هائل من الغرب.

أرعبت انتصارات روسيا الميدانية أوروبا فسارعت لإنعاش الوهم السحري المأمول بأن تنتصر أوكرانيا على روسيا، فاخترعت لنفسها طلسما يقول: إن زادت أوروبا مساعداتها المالية والعسكرية لتحقق النصر الذي يقول الواقع أنه مهما بالغت به فلن يكون سوى برق سحابة لم تمطر حتى الآن، ولن تمطر غدا. النصر بالنسبة لوهم الأوروبيين هو ضخ مزيد من المال والأسلحة لكيلا تنهار مؤسسات الدولة في أوكرانيا التي فقدت الكثير من مقوماتها كدولة، والسلاح لكي تستطيع أن تقاتل ولو لفترة زمنية محدودة قادمة، وقد بدأت بوادر استيعاب الواقع تظهر على حياء في بعض الدول الأوربية، وفي واشنطن نفسها التي مازالت جعالتها بقيمة 61 مليار دولار تراوح مكانها في مماحكات الجمهوريين والديمقراطيين، والأولويات بين أمن الحدود الأمريكية، وأمن الحدود الأوكرانية، ويحاول الاتحاد الأوروبي تعويض تلكؤ الولايات المتحدة بمبلغ 50 مليار يورو، لكن الواقع الحقيقي يشير أولا إلى تراجع دعم الشعوب الأوربية لأوكرانيا والإحساس بمدى خطل وهم الانتصار على روسيا، خاصة أن إحدى النهايات المحتملة إن سارت الأمور كما تشتهي سفن الغرب وواشنطن ستكون جزيرة الحرب النووية، وأيا كان الأمر فمن بين المفارقات الساطعة أن أوكرانيا تخطط للعام الحالي أن تنفق على جيشها 43 مليار دولار آخذة بعين الاعتبار المساعدات التي ستأتيها عام 2024 في حين تخطط موسكو لأن تكون ميزانية جيشها 112 مليار دولار ناهيك عن التفوق بالسلاح والتعداد.

-احتمالات النهاية

النغمة الرئيسية التي تستخدمها واشنطن وتابعها الغرب لحشد جميع الطاقات لاستمرار الحرب هي إشاعة أن بوتن إذا انتصر فسيأتي دور الدول الأوربية الأخرى، لذا فالهدف الاستراتيجي هو الانتصار على روسيا، والسبيل إلى ذلك حسب وجهة النظر الأمريكية – الغربية يمكن أن يتحقق في اتجاهين: إضعاف روسيا اقتصاديا عن طريق الحصار والعقوبات، وتقوية أوكرانيا عبر إمدادها بالمال والسلاح، لكن هذين الاتجاهين فشلا حتى الان في تحقيق ولو خطوات صغيرة على طريق الحلم الغربي في الانتصار على روسيا، بل وحتى الوصول إلى خطوط الدفاع الروسية الأولى، كما أن روسيا تمكنت من خفض تأثير الحصار والعقوبات بزيادة تفاعلها مع الشرق، وخاصة الصين والهند وإيران ومجمل دول آسيا بما في ذلك الدول العربية، ودول أمريكا اللاتينية، وشكلت مع بريكس ركيزة اقتصادية عالمية أقوى حتى من السبع الكبرى، لذا أرجح وهذا تقديري الشخصي التالي:

– أولا أن يفوز بوتن في الانتخابات الرئاسية في 17 آذار – مارس القادم، وبالتالي سيكون ذلك تأييدا لعمليته العسكرية لنصرة الروس المضطهدين في أوكرانيا منذ سنين طويلة.

-ثانيا أن تبلغ الصدامات العنيفة ذروتها في الربيع والصيف القادمين، وتكون نتائجها كارثية على الأرجح على أوكرانيا بشكل مذهل بحيث تعطي مقدمات واقعية للبحث عن مخرج المفاوضات.

-ثالثا أن تبدأ على حياء بوادر ضعيفة لحل سلمي بعد الانتخابات البرلمانية الأوربية في حزيران القادم حيث يرجح وصول بعض الأصوات العاقلة التي تدرك أن هذا النزيف سيسيء إلى أوروبا، وأن المستفيد الوحيد من هذه المعمعة هو الولايات المتحدة الأمريكية

-رابعا الأرجح أن تستكمل القوات الروسية تحرير الأجزاء التي بقيت تحت سيطرة القوات الأوكرانية أو معظمها في دونيتسك وزاباروجيه وخيرسون

– خامسا أن يبدأ تنامي الانعطاف تدريجيا بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية بداية نوفمبر القادم إن نجح ترامب وهذا متوقع. وبهذا المعنى يمكن أن تنتهي الحرب نهاية العام الحالي أو العام القادم بعد مفاوضات حادة لكن روسيا لن تتراجع ولا خطوة واحدة بشأن الولايات الخمس: القرم، دونيتسك، لوغانسك، زباروجية، خيرسون.

-سادسا إبرام معاهدة سلام تكون فيها كييف حيادية ملتزمة بعد الدخول في حلف الناتو، وبتسليح متوسط حتى يتم تلافي عبارة منزوعة السلاح، وستضمن أمنها الدول الغربية الرئيسية، التي ستتبنى هذا الضمان فعليا لا كما فعلت باتفاقية مينسك حيث أعلن القادة الأوربيون بلا حياء أنهم وقعوها لكنهم لم يكونوا ينوون تنفيذها.

هذا عموما توقع أولي يمكن ألا يتطابق تماما مع ما تحمله الأيام والشهور القادمة من أحداث وربما مفاجآت مغايرة، لكنه الأقرب إلى التحقق في المستقبل عبر قراءة الواقع الحالي، وربما تستمر الحرب لعام آخر ولكن لا أكثر، فحتى الموارد البشرية الأوكرانية ستكون قد تضاءلت كثيرا، وأوكرانيا أو ما سيتبقى منها نتيجة حماقة المورطين لها ستكون في تركيبة مجتمعها قريبة من المجتمع الألماني بعد الحرب العالمية الثانية حيث بات يوصف بأنه مجتمع غالبيته من النساء، بعد أن خسرت ألمانيا قرابة سبعة ملايين رجل حتى تم تشجيع الأجانب على الزواج من الألمانيات وتسهيل قدومهم لاستمرار النسل .

أما عن احتمال وقوع حرب نووية تنهي العالم، فهذا مستبعد تماما، ولكن الرئيس الروسي أراد تنبيه الرؤوس الحامية في واشنطن بأن الفناء سيشملهم حتما، ذاك أن موسكو تعرف جيدا أن الولايات المتحدة كانت تنوي بعد الحرب العالمية الثانية قصف الاتحاد السوفييتي بالقنابل النووية بعد قصف هيروشيما وناغازاكي عبر خطة تسمى “الشاملة:” إبان الرئيس ترومان، رغم أن الاتحاد السوفييتي كان حليفها، تخيلوا الغدر والدناءة، فكيف الآن وواشنطن تعلن أن روسيا خصمها الأول… لكن غريزة التمسك بالحياة ستبرد تلك الرؤوس الملتهبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى