أين “لاهاي” من إرهاب المستوطنين؟
بدأت “إيلانا هيمرمان” مقالتها المنشورة في “هآرتس” يوم 28 تموز الجاري بالقول: “كتبت الرسالة بصعوبة وألم كبيرين، لكننا كبشر نشعر بأن واجبنا هو فعل شيء، هكذا بدأ الطلب باللغة الإنجليزية الذي وجه للمدعي العام في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، الذي تسلمته في هذه الأثناء، من أجل التوقيع عليه. المبادرون يصفون أنفسهم بكلمات بسيطة ومباشرة: نحن نشطاء نعمل من أجل حقوق الإنسان. أعضاء مجموعة باسم (نرى الاحتلال كما هو). منذ العام 2016 ندافع عن تجمعات الرعاة الفلسطينيين في غور الأردن، دفاعاً غير عنيف، يستند إلى الحضور والتوثيق. بعد ذلك، يعرضون تنكيل المستوطنين في تلك المنطقة بالتجمعات الفلسطينية برعاية الاحتلال العسكري، بدءاً بمنع الوصول إلى مصادر المياه ومناطق الرعي والأراضي الزراعية وانتهاء بالسرقة ومصادرة الممتلكات والإرهاب. يركز الكتاب على تجمع واحد هو رأس عين العوجا، الذي يعاني في هذه الفترة من تنمُّر قاس بشكل خاص، ويرفقون شهادات خطية وموثقة لاقتحام المستوطنين لحظائر سكان القرية، الذي يحدث أمام عيون كثير من الجنود الذين يرافقونهم ومستعدون للدفاع عنهم بالسلاح. وقّعت فوراً على الطلب، وأملت بالتوفيق للمبادرين على أمل ألا أكون سوى واحد من جمهور كبير من الإسرائيليين الذين انضموا وسينضمون إليه. مع ذلك، تساءلت وما زلت وأريد أن أعرف ما هو الأمر الذي تسبب للمبادرين بصعوبة وألم كبيرين جداً؟” وتعقب محاولة الإجابة: “اليأس من الأمل في أن الدفاع عن سكان المناطق المحتلة سيأتي من داخل دولة إسرائيل التي، حسب ميثاق جنيف، هي المسؤولة عن سلامتهم. ما دامت قوتي الجسدية تساعدني، فسأذهب إلى الغور مع هؤلاء النشطاء الرائعين الذين بادروا الآن إلى تقديم هذا الطلب لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي. أنا وهم حاولنا حماية الرعاة مراراً، لكن بدون جدوى، لأننا قلائل. وقد وثقت معهم صور جرائم التطهير العرقي الذي يرتكبه الزعران اليهود الذين يزداد عددهم بسرعة، هم والبؤر الاستيطانية و(المزارع) والمناطق التي يسيطرون عليها”.
وتستطرد مُعبِّرة عن خيبة الأمل: “لو كنا أول أمس 20 – 30 شخصاً وليس 5 أشخاص في المرعى الموجود قرب (مزرعة عومر) لكانت معنوياتنا قوية لنتمسك بسريان أوامر العدالة والمنطق، ورفض الخضوع لتعليمات الجنود الذين جاءوا لطردنا نحن والرعاة، استناداً لأمر عسكري تافه. في البداية كانوا ثلاثة، الجنود، وبعد ذلك جاءت سيارة ومزيد من الجنود. أمامنا، ثلاث نساء كبيرات في السن وشابان لم يعودا شباباً، وقف حوالي 15 جندياً مسلحاً. وهكذا غادرنا. لو انضم المئات إلينا لكان الجهاز العسكري والبيروقراطي الذي يقوم بمهمته العنيفة بالأوامر والجرافات والسلاح قد بدأ بالصّرير أخيراً، ولسمع الصراخ من مسافة بعيدة، في إسرائيل وخارجها. صحيح أنه ما زال يمكن وضع العصي في هذا الدولاب حتى لو كان المعارضون أقلية في الشعب. لو كانت هذه الأقلية التي تتكون من آلاف الأشخاص الحكماء وذوي القدرة، قد تركت لامبالاتها ولم تكتف بقراءة المقالات في هآرتس وكتابتها، (بعيني رأيت تطهيراً عرقياً)، لامبالاة المجتمع المدني في إسرائيل الذي شاهدته في حالة بؤس طوال هذه السنوات ما زالت تؤلمني. في حينه، وأيضاً الآن، لأنه سواء رغبت أم لا، ما زلت جزءاً لا يتجزأ منه. ولكن في هذه المرحلة، فإن ألمي والصعوبة التي أجدها في هذه الساحة من النزاع العنيف تعود كلها إلى ضحايا المذابح في كثير من المناطق في الضفة الغربية، الذين شاهدت وما زلت أشاهد كيف تم تدمير حياتهم. هذا العمل الذي يتمثل بالتوجه إلى الخارج، إلى مؤسسات دولية، كان يجدر القيام به منذ فترة طويلة، بتصميم وبدون تردد على الإطلاق. في الواقع، من المريح تعزية أنفسنا والقول إنه من الأفضل أن تأتي متأخراً بدلاً من أن لا تأتي. ولكن بخصوص عائلات وتجمعات كاملة من ضحايا زعران المستوطنين برعاية ومساعدة الجيش والشرطة، فإنه طلب جاء متأخراً. في الأشهر الأخيرة، غادرت عشرات التجمعات أماكنها، ولم تعد هناك أي حياة للتجمعات”.
وتتابع مقالتها المتشائمة من مجتمع الكيان وغياب العدالة الدولية فتقول: “هكذا هو الأمر أيضاً في جنوب جبل الخليل. وهاكم شذرات من توثيق لما حدث مؤخراً في تجمعين هناك: أم الخير وخلة الضبع. أم الخير تجمع يقع قرب جدار مستوطنة كرمل، خيام هذا التجمّع ومبانيه السكنية هزيلة وتلتصق بالأرض القفراء والجافة، والمستوطنة بيوتها غارقة في الحدائق الخضراء التي يتم ريّها بالتنقيط في قلب الصحراء.. تُرافق منذ سنوات بشجاعة ونبل وسخاء التجمعات المضطَّهدة في جنوب جبل الخليل. الأشخاص الذين يعيشون في هذه المناطق، الذين ليس هناك أي دولة في العالم اعترفت بسيادة إسرائيل عليهم، لا توجد لهم أي حماية في ظل الحكم العسكري الأجنبي الذي يسيطر عليهم. لذلك، فإن مصيرهم هو من شأن المجتمع الدولي والمواثيق الإنسانية فيه، التي استهدفت بالضبط مثل هذه الأوضاع: أن يقرر ما هو المسموح وما هو الممنوع في التعامل مع المواطنين الذين يعيشون في المناطق التي تم احتلالها في زمن الحرب”؟!