• من أهداف الحملة العسكرية الأوكرانية على كورسك: دعم ترشيح كامالا هاريس عبر تصوير أن سياسة بايدن كأنت ناجحة بدعم الحرب
كيف تمكنوا من الاقتحام؟
نعم يبدو أن المخابرات العسكرية الروسية لم تكن على مستوى المسؤولية كما يجب هذه المرة، وتنتشر في الشارع الروسي تساؤلات جدية حول ما جرى، والسؤال الهام هو كيف لم تكتشف روسيا بجبروتها التقني، وحتى عبر الأقمار الصناعية هذه القوة الضخمة التي اقتحمت الحدود حتى أنها استولت في البداية حسب بعض المصادر على عدة قرى، وليس في الأمر بضعة أفراد مموهين قد تسللوا، بل إن هناك باعتراف رئيس هيئة الأركان الروسية غيراسيموف ألف عسكري، وعددا كبيرا جدا من الدبابات والمدرعات والآليات تم تدمير 54 منها في اليومين الأوليين فقط، كيف إذن لم يتم التنبه إلى حشد هذه القوة قرب الحدود، وولم يكن في مواجهتها سوى حرس الحدود، سؤال كبير حقا، رغم أنه من الواضح تماما أن التخطيط لمثل هذه العمليات يتم في المطبخ الغربي، حيث تُتهم بريطانيا هذه المرة بمساعدة الأوكرانيين لتنفيذ هذه العملية، ولهذا نجد أن هذه القوات اصطحبت معها كاسحة ألغام وإزالة عوائق من طريق الآليات، ناهيك عن منصتين للصواريخ المضادة للطيران من نوع “بوك إم” ومحطة حرب إلكترونية، أي استعداد كامل لمعركة نوعية ضخمة.
تباين يوحي بالارتباك
من الواضح أن القوات الأوكرانية حققت عنصر المفاجأة في عملية الاقتحام هذه، مما دفع إلى بعض التخبط في مواجهة هذه القوة الكبيرة المدرعة بالنسبة لقوات حرس الحدود الروسية الأمر الذي انعكس على البيانات حول حيثيات الهجوم، وربما نشأ التصور بوجود تباينات في المعطيات والأرقام نتيجة ظهور أنباء عن معارك إضافية ملحقة بالحدث الرئيسي وكأنها تتحدث عن أمر واحد، فقد أعلنت الدفاع الروسية عن صد الهجوم وتكبيد الجانب الأوكراني 260 قتيلا وتدمير 7 دبابات و8 مدرعات ومركبات ومنصات صواريخ وجرافة هندسية وكاسحة ألغام ومنصتي صواريخ مضادة للطيران من طراز بوك إم 1 ومحطة حرب إلكترونية، وأشار خبر آخر إلى أن قوة من 300 عسكري أوكراني من النخبة مدعمة بالدبابات والمدرعات قامت باقتحام بلدة حدودية في مقاطعة كورسك، ثم تأتي تصريحات رئيس الأركان الروسي أن تعداد المهاجمين يصل إلى 1000.. واضطرت موسكو لفرض حالة الطوارئ في كورسك، واعتبر الرئيس بوتن هذا الهجوم استفزازا كبيرا.. نعم كل ذلك يعني أن بعض التخبط قد ترافق والإجراءات التي اتخذتها وزارة الدفاع الروسية على عجل، ولكن ما هو الهدف وما هو الثمن؟
الهدف قد يسفر عن نقيضه
يتساءل المراقبون والمتابعون للصراع العسكري في أوكرانيا عن السبب الذي دفع بالقيادة الأوكرانية لشن هذا الهجوم، أي لفتح جبهة جديدة في وقت ينقص الجيش الأوكراني الكثير من الأفراد بعد هذه الخسارات التي باتت تقدر بحوالي ألفي عسكري يوميا، والتقديرات الرئيسية للهدف على الشكل التالي:
1- أن يدفع الهجوم الأوكراني القيادة العسكرية الروسية إلى سحب بعض قواتها من دونباس، والتي تنهار المواقع الأوكرانية أمامها، وتوسع القوات الروسية من سيطرتها على البلدات والمناطق لكي تخفف الضغط عن القوات الأوكرانية هناك.
2- أن القيادة الأوكرانية أرادت تسجيل انتصار إعلامي وإن كان خلبيا على أرض الواقع، لكي ترفع من معنويات جنودها الذين باتو يستسلمون لدى أية فرصة لكي يبقوا على قيد الحياة.
3- أن تكون هذه العملية لتحقق ضجة إعلامية تبالغ فيها أجهزة الإعلام الأمريكية، لكي يوحوا للشعب الأمريكي بأن سياسة بايدن كانت صحيحة ولا بد من انتخاب كامالا هاريس التي ستتابع نهجه وعدم السماح لترامب بالفوز لأنه قد يفرض السلام على أوكرانيا.
4- أن تثبت للدول الأوربية بالدرجة الرئيسية أن ما قدمته من سلاح ومعونات يعطي ثماره على أرض المعركة، وبالتالي لا بد من تقديم مزيد من الأسلحة فما يتم إرساله يتدمر معظمه في الميدان وتحتاج دائما إلى مزيد من مختلف أنواع الأسلحة…
وهنا لا بد من التنويه بأن الواقع يفرض شروطه، ولا يمكن لأحد أن يمرر ما يريده هو خلافا لمنطق الحياة، لأن من يحاول أن يسخر من الوقع يسخر عمليا من نفسه، ثم يسخر منه الواقع بشكل أليم، وهذه الحركات ستدفع ثمنها أوكرانيا كثيرا، فحين نقرأ الواقع ندرك أن القوات الروسية لا تحتاج إلى سحب أي من قواتها في دونباس وتحويلها إلى كورسك، وقد عززت قوات حرس الحدود هناك بما يحتاجونه، هذا أولا، ثانيا أن الانتصار الخلبي سرعان ما يتهاوى وتتحول البهجة الزائفة عند الجنود الأوكرانيين إلى خيبة أمل وإحساس بالغبن والخديعة من قبل قياداتهم، خاصة أن الخسارات منذ الآن كبيرة جدا، ثالثا إن ظهور نتائج هذا الهجوم بعد أيام حين تستكمل القوات الروسية دحر القوات المهاجمة وتصفية معظمها لن يكون لصالح كامالا هاريس وسياسة بايدن، بل قد تزيد من فرص فوز ترامب، رابعا وأخيرا، أن الدول الأوربية تدرك جيدا حقيقة الوضع على الجبهات، ولن تُخدع بنصر مؤقت عابر، وقد بدأ بعضها بالتذمر من تحمل نفقات هذه الحرب التي لا طائل لها.
الأسلحة الموعودة
يهم أوكرانيا أن يتكرس شعور لدى الأوربيين بأن أوكرانيا تدافع عنهم جميعا، وبالتالي يغدقون عليها السلاح بكميات كبيرة، وقد بدأت مشاعر التذمر تظهر لدى بعض الدول كصربيا وهنغاريا وسلوفاكيا، وهناك مع ذلك وعود بأن تحصل أوكرانيا على ما يزيد عن 12500 منظومة مضادة للدبابات، وقرابة 20000 بندقية هجومية، و 700 مدفع مضاد للطائرات، و30000 سلاح فردي، وأكثر من مليون رصاصة، و 4000 من المدافع المختلفة مع ذخيرتها، و70 مقاتلة من طراز اف 16 ، ناهيك عن مستلزمات عديدة غير فتاكة بما في ذلك الأطعمة والمشافي الميدانية، من هنا فإن مثل هذه الكمية الجديدة من الأسلحة والذخائر قد تكون مبررا كافيا للقيام بهذه التمثيلية التي سيدفع الجنود الأوكرانيين ثمنها حياتهم، لكنه سيكون موتا عبثيا إرضاء للقيادة الأوكرانية، طبعا هناك عامل آخر لكنه لا يصمد مع الزمن، وهو أن تكون كييف قد قامت بهذا الهجوم بقصد السيطرة فعلا على أراض روسية واحتلالها لتكون مجال مساومة في نوفمبر القادم، وذلك في حال بدأت المفاوضات فعلا، ولكن ذلك مرهون بأن تتمكن القوات الأوكرانية من السيطرة على مساحة معقولة تستحق أن تكون مدعاة للمساومة، وهذا مستبعد تماما، وربما كان من بين الأهداف المضمرة السيطرة على بلدة سودجا الحدودية، فهي آخر نقطة لضخ الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أوكرانيا، ويشطح الخيال ببعض المعلقين إلى تقدير أن أوكرانيا تود السيطرة على محطة كورسك للطاقة النووية، وهي على بعد 60 كيلومترا من سودجا، لكن ذلك يحتاج إلى جيش جرار، وفي مواجهة جيش ضعيف ليس كالجيش الروسي ، ولكن الذي يبدو واضحا الآن أن القيادة الأوكرانية باتت تتخوف جديا من انتقام القوات الروسية، فأجلت أكثر من 6000 من سكان مدينة سومي المقابلة لكورسك داخل الأراضي الأوكرانية وبشكل إلزامي. لم أكتب المقالة كجزء أول يتبعه جزء ثان، ولكن تطور الأحداث في الأيام القليلة القادمة سيدفعنا حتما إلى العودة إلى هذا الموضوع الملتهب مرة أخرى خلال الأسبوع القادم.