
صحافة ورأي
آفاق السياسة الأمريكية بعد تنصيب ترامب في الشأن الدولي (بنما، المكسيك كوبا، أوروبا، روسيا أوكرانيا اتفاقية باريس ألمانيا) – (الجزء الأول)
أيمن أبو الشعر
طموحات ترامب تثير حفيظة العديد من دول الجواروأوروبا، ناهيك عن خروجه من اتفاقية باريس للمناخ رغم أنها ثاني أكبر ملوث للبيئة في العالم
في الشأن الروسي الأوكراني
أولى ترامب اهتماما واضحا بمسألة احتمال إحياء العلاقة مع موسكو، حيث وجه عشية التنصيب مساعديه للعمل على إعداد اتصال هاتفي مع الرئيس بوتن في مسعى لحل الأزمة الأوكرانية، والتي تعتبر من أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، وقد أرسل كل من الرئيس بوتن وزيلينسكي برقيات تهنئة للرئيس ترامب في انتظار ما يمكن ان يتمخض عنه هذا المسعى، كما أعلن ترامب في خطابه أنه ينوي إنهاء النزاعات الكبرى، وتعزيز دور الولايات المتحدة كصانع للسلام، وقال بعد التنصيب إبان توقيع المراسيم أنه سيلتقي بالرئيس بوتن قريبا مشيرا إلى أن الرئيسين الروسي والأوكراني يريدان التوصل إلى اتفاق، وكان الرئيس بوتن قد أعلن يوم التنصيب أن موسكو منفتحة على الحوار مع الإدارة الأمريكية الجديدة حول الصراع في أوكرانيا، وأن روسيا تأخذ بعين الاعتبار تصريحات ترامب وفريقه بشأن الرغبة في العودة إلى الاتصالات ناهيك عن الحاجة لبذل كل ما يمكن للحيلولة دون اندلاع حرب عالمية ثالثة. ووصف بوتن فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأنه أمر مقنع، وأنه أظهر شجاعة وحقق فوزًا مقنعًا في الانتخابات.
في شأن الدول المحيطة
حدد خطاب الرئيس ترامب في حفل التنصيب أهم المحاور الرئيسية في السياسة الخارجية التي يزمع اتباعها في فترة رئاسته الحالية انطلاقا من شعار أمريكا أولا حيث وجه تعليماته إلى الخارجية الأمريكية باتباع هذا النهج لرعاية المصالح الوطنية في المقام الأول في العلاقات الخارجية، وقد شكلت تصريحاته مؤشرات لا تخلو من إشكالات جدية تتعلق ببعض الطموحات التي ينوي ترامب تحقيقها.
بنما
ومن بين هذه الإشكالات الساطعة أنه أعلن بوضوح أنه يريد الاستحواذ على قناة بنما التي توصل بين المحيطين الأطلسي والهادي، ورغم أنه لم يخض في التفاصيل ولم يتحدث عن الطريقة التي سيعيد فيها قناة بنما إلى التبعية الأمريكية، لكنه ركز باختصار على أن الولايات المتحدة هي التي شقت قناة بنما التي افتتحت عام 1914 مما دفع برئيس بنما خوسيه راؤول مولينو إلى إصدار بيان يرفض فيه تصريحات ترامب بشدة باسم قيادة وشعب بنما، مؤكدا ان القناة كانت ولا تزال جزءا من بنما، وأنه لا توجد دولة في العالم يمكن أن تتدخل بشؤون القناة، وأن بنما مستعدة للحوار ولكن ليس للخضوع..
المكسيك
وأثار ترامب حفيظة المكسيك حيث أوضح أنه سيعلن حالة الطوارئ على الحدود، بل وسيرسل جنوده إلى الحدود الجنوبية للوقوف في وجه ما أسماه الاجتياح الكارثي للولايات المتحدة، وأنه سيقوم بتغيير اسم خليج المكسيك ليغدو خليج أمريكا ما استدعى ردا من رئيسة المكسيك كلوديا شينباوم التي تعهدت بحماية المواطنين المكسيكيين الموجودين في الولايات المتحدة.
كوبا
أعلن ترامب في يومه الأول بوضوح أنه سيلغي قرابة ثمانين قرارا تنفيذيا اتخذتها الإدارة السابقة، واصفا إياها بأنها مدمرة ومتطرفة، وكان من بين هذه القرارات التي ألغاها ترامب شطب كوبا من قائمة الدول الراعية للإرهاب الذي كان بايدن قد وقعه قبل أسبوع، مما دفع بالرئيس الكوبي ميغيل ديازكانيل إلى القول بأن ترامب قام زورا بإعادة تصنيف كوبا كدولة راعية للإرهاب مما يعتبر استهزاء وإساءة والتأكيد على سياسة الإكراه أحادية الجانب التي تتبعها واشنطن، وأن الحصار الذي فرضه ترامب تسبب بنقص الموارد وزيادة تدفق المهاجرين من كوبا إلى الولايات المتحدة.
في الشأن الأوروبي
أعلن السيناتور الروسي ألكسي بوشكوف أن دول الاتحاد الأوروبي لديها شعور سيء تجاه رئاسة ترامب الثانية لأمريكا كونه يوجه ضربات موجعة لجميع قيم النخبة الليبرالية الأوربية، وفي الحقيقة رغم التهنئة التي أرسلها جميع الزعماء الأوربيين إلى ترامب إلا أن توجسهم من مرحلة حكمه ظل ساطعا في أكثر من جانب، فهو لا يزال يصر على ضرورة أن تدفع دول الناتو ما يعادل 5% من انتاجها المحلي لتغطية النفقات العسكرية حتى أنه أوضح أن الولايات المتحدة دفعت قرابة 200 مليار دولار لدعم أوكرانيا، أكثر من دول الناتو مجتمعة أي الدول الأوربية، وهو لا يخفي أنه ينوي تخفيض الضرائب على الأمريكيين وزيادتها على الدول الأجنبية، وذلك لرفع مستوى المعيشة في الولايات المتحدة واستعادة القيادة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية.
وقد بدأ أولى الحركات الجانبية في المجال المالي بإصدار عملة مشفرة تحمل اسمه، وسرعان ما حلقت يوم التنصيب لتصل إلى قرابة 12 مليار دولار، كما سجلت البيتكوين أعلى سعر لها تزامنا مع التنصيب، ووصل حجم التداول فيها إلى 52 مليار دولار حتى أن بيتر شيف كبير الاقتصاديين الاستراتيجيين العالميين وصف عملة ترامب بأنها الذهب الرقمي.
التوجسات الفرنسية
لم تخف فرنسا توجساتها حيث أعلن رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا بايرو أن السياسة المعلنة للرئيس ترامب قد تسحق فرنسا والاتحاد الأوروبي إن هما لم يتحركا لمواجهتها، فقد قرر اتباع سياسة الهيمنة بشكل هائل من خلال الدولار والسياسة الصناعية والاستيلاء على جميع الأبحاث والاستثمارات، وحذر من أنهما سيكونان مضطرين للخضوع للهيمنة إن لم يتحركا، بل قد يتعرضان للتهميش والسحق منوها بأن فرنسا وأوروبا عموما تواجهان تحديين رئيسيين من جانب الولايات المتحدة والصين. وكان الرئيس الفرنسي ماكرون قد وجه انتقادا قبيل تنصيب ترامب لمطالبته بزيادة النفقات العسكرية حيث أوضح ماكرون أنه: “عندما نقول لننفق المزيد على جيوشنا، فإن ذلك يعني في كثير من الأحيان شراء المزيد من المعدات العسكرية الأمريكية”.
اتفاقية باريس
تجدر الإشارة إلى أن ترامب وقع أمرا تنفيذيا يقضي بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية باريس للمناخ للمرة الثانية، وهي خطوة تلاقي انتقادات حادة من مختلف الدول باعتبارها تحديا ومحاولة لإفشال الجهود الدولية التي تبذل لمكافحة الاحتباس الحراري في العالم، كما أن ترامب وجه رسالة إلى الأمم المتحدة لإبلاغ الهيئة العالمية بقراره هذا رغم أن الولايات المتحدة هي ثاني أكثر دولة تساهم بانبعاثات الغازات الدفيئة.
التوجسات الألمانية
كما استنفرت أجندة ترامب ألمانيا التي تعتبر أقوى اقتصاد في أوروبا، فقد حذر سفير ألمانيا في واشنطن أندرياس ميخائيليس في تقريره الدبلوماسي من أن الفترة الرئاسية الجديدة لترامب ستقوض نظام الضوابط والتوازن، وستسلب استقلالية السلطة التشريعية وحتى سلطات إنفاذ القانون ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة، وقد أرسل تقريره حسب وكالة الأنباء الألمانية إلى الخارجية الألمانية، ويتوقع السفير الألماني أن يركز ترامب في يديه أكبر قدر من السلطات على حساب الكونغرس والولايات. ورغم أن الخارجية الألمانية لا تعلق على المراسلات والتقارير الدبلوماسية إلا أنها أكدت أن الشعب الأمريكي اختار ترامب في انتخابات ديمقراطية، وأن برلين ستعمل مع الإدارة الأمريكية الجديدة بما يخدم مصالح ألمانيا.