
كيف يتعامل “الكيان” السرطاني مع المنطقة؟!
“تعاملنا مع أعدائنا الدول العربية من خلال معرفة وتشخيص نقاط الضعف لديهم، وخاصة العلاقات القائمة بين الجماعات والأقليات العرقية والطائفية، بحيث نسهم في تفخيم وتعظيم هذه النقاط، لتتحول في النهاية إلى معضلات يصعب حلها أو احتواءها. وضع استراتيجية تقوم على ثلاث ركائز هي: أولاً بناء قوة عسكرية متفوقة للاحتفاظ بقوة ردع قادرة على حماية أمن إسرائيل والحيلولة دون إنزال أي هزيمة بها، لأن هزيمة واحدة تهدد الوجود الإسرائيلي. ثانياً توثيق علاقات التعاون والتحالف مع أهم الدول المحيطة بالعالم العربي تطبيقاً لسياسة شد الأطراف التي استهدفت إقامة ما عرف بحلف المحيط والدول التي توجهت إليها الأنظار هي تركيا أولاً وإيران ثانياً وأثيوبيا ثالثاً. أما الركيزة الثالثة فتمثلت في عقد تحالفات مع الأقليات العرقية والطائفية في الوطن العربي. التخويف من الخطر العربي استثمرت عسكرياً إلى أبعد مدى فقد ركزت إسرائيل على أنه لا سبيل إلى صدّ ذلك الخطر إلا بإقامة تعاون عسكري وثيق بين إسرائيل وبين دول الجوار وجندت لتلك المهمة أبرز الشخصية العسكرية والسياسية. تبديد الطاقة العربية إما عن طريق افتعال المشاكل مع الدول العربية عبر دول الجوار غير العربية أو من خلال التحالف مع الأقليات التي تعيش في تلك الأقطار كالأكراد في العراق وسكان جنوب السودان والموارنة في لبنان، والدروز والأكراد في سوريا والمسيحيين والنوبيين في مصر. تشجيع وحث الأقليات في المنطقة على التعبير عن ذاتها إلى درجة الحصول على حق تقرير المصير والاستقلال عن الدولة الأم أيا كانت طبيعة هذه الأقليات من حيث الحجم والنوعية، ولا شك في أن مثل هذا المنطق كان هدفه الأساس تأكيد أو السعي لتأكيد حقيقة أن المنطقة العربية ليست كما يؤكد العرب دوما أنها تشكل وحدة ثقافية وحضارية واحدة وإنما هي خليط متنوع من الثقافات والتعدد اللغوي والديني والأثني. الظروف السائدة عربياً وإقليمياً توفر أفضل الفرص أمام إسرائيل لتحقيق أهدافها، وعلى رأسها تفتيت وتفكيك وحدة الأقطار العربية الرئيسية وخاصة مصر”.
منذ نشأة كيانهم السرطاني في بلاد العرب، والصهاينة يدبرون وينفذون خطط شيطانية قذرة للإفساد بين العرب وجيرانهم، ومحاصرة الوطن العربي بالمشاكل والنزاعات، وتفتيت أوصاله، ومنذ ما يقارب ال80 عاماً وضعت الصهيونية باستمرار خططاً لمحاربة البلاد العربية، ومحاصرتها براً وبحراً، وكانت مصر على رأس جدول هذه الخطط. فلم تكتف إسرائيل بنهش قلب الوطن العربي وجسده، بل عملت في الوقت ذاته على تطويق البلدان العربية، وأعدّت الخطط والمؤامرات، وما سد النهضة وجنوب السودان وكردستان والموارنة سوى نماذج وخير دليل على ذلك. ولا يمكن تصديق أن دولاً إسلامية تدّعي الآن أنها معادية للصهيونية وضد إسرائيل كانت من أول من اعترف دولياً بالكيان السرطاني نكاية في العرب.
لقد سعت إسرائيل كدولة منذ تأسيسها عام1948 إلى تعزيز مصالحها الإقليمية والدولية، وغالبا ما رأت في التقسيمات الداخلية للدول العربية فرصة لتقوية نفوذها أو التقليل من المخاطر التي ترى أنها تهدد وجودها، فالصهاينة لم يكتفوا باغتصاب جزء عزيز في قلب الوطن العربي والإسلامي، وإقامة دولتهم السرطانية في أرض فلسطين العربية والإسلامية، بل سعوا لإشعال الفتن والمؤامرات ضد الدول العربية. بحجة أنهم شعب صغير وإمكانياته وموارده محدودة ولا بد من العمل على علاج هذه الثغرة في تعاملنا مع أعدائنا الدول العربية من خلال معرفة وتشخيص نقاط الضعف لديهم، وخاصة العلاقات القائمة بين الجماعات والأقليات العرقية والطائفية، بحيث نسهم في تفخيم وتعظيم هذه النقاط، لتتحول في النهاية إلى معضلات يصعب حلها أو احتواءها.
هذا الكلام قاله ديفيد بن جريون أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل إلى قيادات الجيش وغيرهم من عناصر المؤسسة الأمنية وأجهزة الاستخبارات والمهمات الخاصة، وفي أعقابه صدرت الأوامر إلى الأجهزة الإسرائيلية بأن تتولى الاتصال بزعامات الأقليات في المنطقة وتوثيق العلاقات معها، لتنفيذ هذه السياسة، حيث شكّل بن جريون في مطلع الخمسينيات فريق عمل ضم العديد من الخبراء في الشؤون الاستراتيجية والسياسية ضم الشخصيات التالية: إسرائيل جاليلي، خبير الشؤون الاستراتيجية وبناء القوة العسكرية. ايجال بوين خبير الشؤون العسكرية ورئيس الإسكان، موشي ساسون خبير الشؤون السياسية والعربية والسورية منها بوجه أخص، روبين شيلوح خبير العلاقات السرية مع الأقليات خصوصاً الأكراد وإيران، جولد مائير خبيرة الشؤون السياسية والإتصال. وقد توصّل هذا الفريق الشيطاني بعد عدة اجتماعات إلى وضع استراتيجية تقوم على ثلاث ركائز هي: أولاً بناء قوة عسكرية متفوقة للاحتفاظ بقوة ردع قادرة على حماية أمن إسرائيل والحيلولة دون إنزال أي هزيمة بها، لأن هزيمة واحدة تهدد الوجود الإسرائيلي، في حين أن بمقدور العرب أن يتحملوا أكثر من هزيمة بسبب كثرة أعدادهم بالمقارنة مع الإسرائيليين. ثانياً توثيق علاقات التعاون والتحالف مع أهم الدول المحيطة بالعالم العربي تطبيقاً لسياسة شد الأطراف التي استهدفت إقامة ما عرف بحلف المحيط والدول التي توجهت إليها الأنظار هي تركيا أولاً وإيران ثانياً وأثيوبيا ثالثاً، وهو ما تم اعتباره الركن الركين في جدار السياسة الخارجية الإسرائيلية. أما الركيزة الثالثة في الاستراتيجية فتمثلت في عقد تحالفات مع الأقليات العرقية والطائفية في الوطن العربي.
في منتصف الخمسينات نجحت الجهود الإسرائيلية في إقامة علاقات خاصة مع تركيا في مختلف المجالات، فتركيا ذات الأغلبية المسلمة اعترفت بإسرائيل عام1949 لتكون أول دولة مسلمة تفعل ذلك، واستمرت العلاقات التجارية والتعاون العسكري بين البلدين حتى وقتنا هذا. بعد ذلك مباشرة بدأ التحرك صوب ايران، والذي أداره فريق من الخبراء الاسرائيليين الذين كان بعضهم من أصول إيرانية، وذلك لأن إيران على نقاط تماس مهمة مع الوطن العربي، سواء مع العراق أو في منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط. ولاستكمال بناء صرح حلف الجوار للاستعانة به للضغط على العرب وتهديد أمنهم، جرت اتصالات نشطة مع أثيوبيا علنية وسرية لكي تكتمل زوايا المثلث عند مركزه الجنوبي من الوطن العربي بعد ما اكتمل من ناحيته الشرقية والشمالية.
وفي حرب عام 1956المعروفة بالعدوان الثلاثي على مصر، تعاونت إسرائيل مع بريطانيا وفرنسا للهجوم على مصر بعد تأميم قناة السويس، مما أظهر تعاوناً إسرائيلياً مع قوى استعمارية كبرى ضد مصالح عربية، ولكسر جهود جمال عبد الناصر الرئيس المصري الشاب المفعم آنذاك بأفكار التوحد والقومية العربية. ففكرة التخويف من الخطر العربي استثمرت عسكرياً إلى أبعد مدى فقد ركزت إسرائيل على أنه لا سبيل إلى صدّ ذلك الخطر إلا بإقامة تعاون عسكري وثيق بين إسرائيل وبين دول الجوار وجندت لتلك المهمة أبرز الشخصية العسكرية والسياسية. في هذا السياق عقد أول لقاء بين رئيس المساد روبين شلواح وبين وفد عسكري تركي في روسيا عام 1957، وتتابعت تلك اللقاءات في إيطاليا ودول أخرى، وكان التعاون العسكري والأمني لصد خطر المد العربي هو الموضوع الرئيسي لكل تلك الاجتماعات، وما حدث مع تركيا تكرر مع إيران وأثيوبيا حيث ركز بن جريون في خطابه الموجه إلى تلك الدول على أن العرب يزعمون أن الشرق الأوسط هو شرق عربي ومن الضروري أن تشكل الدول الأخرى غير العربية في المنطقة كتلة واحدة لضحض تلك المقولة وللدفاع عن وجودها واستقلالها. وقد أثمر هذا الجهد الإسرائيلي أثمر تعاوناً أمنياً وثيقا مع الدول الثلاث تركيا إيران وأثيوبيا، وأدى إلى تنظيم لقاءات سرية عدة بين رؤساء الأركان في الدول الأربع عقدت في كل من أنقرة وطهران عام1958 . وفي سياق ذلك التعاون أرسلت إسرائيل أكثر من 10000 خبير عسكري وأمني إلى تركيا وإيران وأثيوبيا، وتطور هذا الرقم في السنوات اللاحقة حتى وصل عدد الخبراء العسكريين الإسرائيليين في إيران وحدها عامي 77 و78 إلى أكثر من 20 ألف شخص. كما زودت اسرائيل كلا من تركيا وإيران بأسلحة من صنعها مثل صواريخ بربر، جبريال، ومدافع هاون وأجهزة رادار وبنادق ورشاشات من نوع عوزي. اسرائيل أصبحت مطمئنة إلى أن تلك الدول أصبحت تمثل قوى احتياطية لها في مواجهة العرب، وإن اختلف الموقف بالنسبة لإيران بعد قيام الثورة الإسلامية عام 79 بقيادة الخميني. وقد استخدمت اسرائيل سلاح التخويف من هيمنة العرب المعززين بالقوة النفطية لكي تحث الدول والجماعات غير العربية إلى الاحتشاد والتحالف لدرء ذلك الخطر، وقد عبرت عن ذلك جولد مائير وزيرة الخارجية في مؤتمر لحزب العمال عام1960 حين قالت “لقد نجحنا في اقناع الدول المحيطة بالدول العربية لإقامة حلف الدائرة ليشكل سوراً من حول تلك الدول يدرأ الخطر ويقي هذه الدول ويصونها من حركة القومية العربية”. اسرائيل أرادت أن تكسير جدار العزلة السياسية التي فرضت من حولها، لأن تعاملها مع دول الجوار غير العربية من شأنه أن يوفر لها إمكانية التحرك إقليمياً ودولياً باعتبارها دولة عادية في المنطقة وفي هذه النقطة حقق الصهاينة غايتهم السياسية في استراتيجية شد الأطراف والتي لم تكن لتأتي بثمارها لولا مساعدة القوى الغربية التي وجدت أن مصالحها تتوافق مع إقامة هذه الشبكة من التحالفات. ولذلك فإن جميع اتفاقات التعاون في مختلف المجالات بين اسرائيل والدول الثلاث لقيت دعماً غير محدود من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا بوجه أخص، ولتنفيذ البند الثاني من الإستراتيجية الشيطانية اهتمت إسرائيل بإقامة علاقات خاصة مع الأقليات العربية لا سيما تلك الأقطار المحاطة بدول غير عربية العراق وسوريا والسودان. وقد رسمت هذه السياسة في بداية الخمسينيات فريق الخبراء الذي شكله بن جيرون وقد أفاض في شرحها وتفسيرها كلا من روبين شلواح والياهو ساسون وموشي شاريت، حيث استهدفت العمل على تبديد الطاقة العربية إما عن طريق افتعال المشاكل مع الدول العربية عبر دول الجوار غير العربية أو من خلال التحالف مع الأقليات التي تعيش في تلك الأقطار كالأكراد في العراق وسكان جنوب السودان والموارنة في لبنان، والدروز والأكراد في سوريا والمسيحيين والنوبيين في مصر، من الزاوية العرقية كانت الفكرة بمثابة دعوى لخلق تجمع إثني يضم دول وجماعات غيرعربية في إطار العمل والتعاون لمواجهة المد القومي العربي، باعتبار أن ذلك المد يهدد تلك الدول والجماعات. وقد ركز الخطاب الاسرائيلي في هذا الصدد على أن خطر ذلك التهديد يجب أن يدفع تلك الأطراف إلى الاحتشاد في خندق واحد وهذه الرسالة نقلها بصراحة ووضوح بن جريون إلى كل من عدنان مندريس رئيس وزراء تركيا في أواخر الخمسينات، وشاه إيران والإمبراطور هيلاسيلاسي. وهذا هو المعنى الذي عبر عنه مائير عميت رئيس المساد حين ألقى في عام 59 محاضرة على دفعة جديدة من عناصر الموساد قال فيها أن التهديد بالخطر العربي الذي جسدته حركة المد القومي كان لابد أن ينجح في أثاره النوازع النفسية لدى الجماعات غير العربية داخل الدول العربية، وخاصة في العراق سوريا لبنان السودان. كما أن الوجود الاثني المتمثل في شعوب مثل الشعب الإسرائيلي التركي الإيراني الأثيوبي الذي يتناقض مع العنصر العربي المهيمن على المنطقة شكل أساسا لقيام علاقة تحالفية بين اسرائيل والدول التي تمثل تلك الشعوب. وهذه الاستراتيجية ما زالت مستمرة لكن وسائلها تطورت أو اختلفت، أما هدفها فقد ظل واحداً، فلم يعد الخطاب الاسرائيلي يركز على التخويف من المد القومي العربي وإنما صار يمارس التخويف من خلال التلويح بأخطار الإرهاب والأصولية الإسلامية كما أنه في ظل التداعي والضعف والتفكك العربي، فقد بات بديهياً أن تركز إسرائيل على مقولة أن منطقة الشرق الأوسط لم تعد بحراً عربياً تقع فيه جزر إقليمية مثل إسرائيل، بل أن العرب هم الذين أصبحوا يشكلون جزراً صغيرة في حين أن القوى المؤثرة والفاعلة في المنطقة أصبحت مقصورة على إسرائيل ودول الجوار خاصة تركيا. ومن أجل فهم واستيعاب الاستراتيجية الإسرائيلية إزاء المنطقة العربية، والتي من خلالها يتم تشجيع وحث الأقليات في المنطقة على التعبير عن ذاتها إلى درجة الحصول على حق تقرير المصير والاستقلال عن الدولة الأم أيا كانت طبيعة هذه الأقليات من حيث الحجم والنوعية، ولا شك في أن مثل هذا المنطق كان هدفه الأساس تأكيد أو السعي لتأكيد حقيقة أن المنطقة العربية ليست كما يؤكد العرب دوما أنها تشكل وحدة ثقافية وحضارية واحدة وإنما هي خليط متنوع من الثقافات والتعدد اللغوي والديني والأثني. وقد اعتادت إسرائيل تصوير المنطقة على أنها فسيفساء تضم بين ظهرانيها شبكة معقدة من أشكال التعدد اللغوي والديني والقومي ما بين عرب وفرس وأتراك وأرمن وإسرائيليين وأكراد وبهائيين ويهود وبروتستانت وكاثوليك وعلويين و صابئة وشيعة وسنة وموارنة وشركس وتركمان وأشور. وانطلقت إسرائيل في ذلك من الإلحاح على أن المنطقة ما هي إلا مجموعة أقليات وأنه لا يوجد تاريخ موحد يجمعها، ومن ثم يصبح التاريخ الحقيقي هو تاريخ كل أقلية على حدة، والغاية من ذلك تحقيق هدفين أساسيين هما رفض مفهوم القومية العربية والدعوة إلى الوحدة العربية. فتبعا للتصور الاسرائيلي تصبح القومية العربية فكرة يحيطها الغموض، إن لم تكن غير ذات موضوع على الإطلاق، وثمة تطور مهم في إستراتيجة التفكيك والتفتيت في السنوات الأخيرة يتمثل في أن نظرية شد الاطراف لم تعد تستهدف فحسب استنزاف الطاقات العربية وتشتيتها، بحيث تُستهلك تلك الطاقات بعيداً عن ساحة المواجهة مع إسرائيل، وإنما تجاوزت المسألة هذه الحدود إلى ما هو أبعد وأخطر، بحيث تطورت فكرة شد الأطراف إلى بتر تلك الأطراف، بمعنى سلخ الأطراف غير العربية وفصلها عن الجسد العربي، من خلال التحالف مع دول الجوار. فالدور الاسرائيلي في تفكيك السودان واضح جليّ، فهؤلاء الأبالسة لم يساندوا الجنوبيين لوجه الله، وإنما لهم مراميهم المتعددة والبعيدة، والتي يعد الإمساك بخناق مصر في مقدمتها، فالمخابرات الاسرائيلية كان لها دور كبير في مساندة حركة تحرير الجنوب السودان، سواء على صعيد الإمداد بالسلاح والخبراء والمال، أو على صعيد حشد التأييد الدبلوماسي والسياسي لمصلحتها. إسرائيل إستهدفت دعم التمرد الجنوبي وإضعاف السودان للضغط على مصر واختزال القارة الإفريقية. وشمل ذلك الدعم كل المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية، حيث وفرت إسرائيل الخبرات والسلاح والأموال وكل ما احتاجته حركة التمرد لكل متحدّي حكومة الخرطوم، وتثبت أقدامها على الأرض. الأمر الذي انتهى بانفصال الجنوب وإعلان استقلاله عام2011، وكان للصهاينة دور بارز في الحرب الأهلية بالسودان قديماً بدارفور أو المشتعلة الآن. كما أقامت إسرائيل علاقات وثيقة مع قيادات الموارنة في لبنان مستثمرة في ذلك علاقات التوتر التاريخية بينهم وبين المسلمين السنة، حتى أن منحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل بعث برسالة إلى كميل شمعون رئيس حزب الوطنيين الأحرار جاء فيها أن الفرنسيين حين أقاموا لبنان الكبير ضموا إلى الموارنة المناطق المأهولة بالمسلمين، وكان هؤلاء سبباً في جميع العلل والشرور، ودعا إلى تجنيب الإسرائيليين التواجد بأرض مأهولة بالمسلمين حتى لا يعانون مما عانت منه لبنان. كما أن تواصل الإسرائيليين مع بعض شرائح الموارنة دفعهم إلى إقامة دولة لبنان الحر وحكومتها في عام1979، وشكل هؤلاء ما سمّي بجيش لبنان الجنوبي الذي قاده سعد حداد ومن بعده أنطوان لحد، وكان للأحزاب المارونية الثلاثة التي شكلت الجبهة اللبنانية دورها في الترحيب بالإجتياح الإسرائيلي في لبنان عام1982 . إلا أن مشروع دولة الموارنة فشل وإنهار بعد انسحاب الاسرائيليين من لبنان. أمّا التجربة الثالثة فكانت مع الأكراد في شمال العراق، ذلك أن زعماء الأكراد في نضالهم ضد نظام صدام حسين وضد شاه إيران قبل الثورة، كانوا يلتمسون الدعم من أي مصدر، الأمر الذي سارعت إسرائيل إلى تلبيته، فقدموا لأكراد العراق الكثير من المساعدات التي لم تعلن تفاصيلها، لكنها انتهت بأن أصبح لإسرائيل حضور استخباراتي قوي في شمال العراق، وهذا الموقع له أهميته الاستراتيجية المهمة، لأنه أتاح للإسرائيليين إمكانية الاقتراب مما يحدث في العراق وسوريا وإيران وتركيا. ولم يعد سراً أن كردستان قطعت شوطاً بعيداً في سعيها للإستقلال الذي أصبح الآن مطلباً معلناً من جانب المثقفين والسياسيين والأكراد. وبالتالي فلم يعد السؤال المطروح الآن هو هل يعلنون استقلالهم أم لا؟ ولكنه متى يتم ذلك؟ كما أن لإسرائيل دور بارز في دعم أثيوبيا في الوقت الحالي في مسألة بناء سد النهضة، والتي ستكون مصر المتضرر الأكبر منه، فالهدف الصهيوني هو إضعاف مصر على وجه الخصوص، ولعل الظروف السائدة الآن عربياً وإقليمياً توفر أفضل الفرص أمام إسرائيل لتحقيق أهدافها، وعلى رأسها تفتيت وتفكيك وحدة الأقطار العربية الرئيسية، عبر تحريك واستثارة الأقليات والجماعات الإثنية الموجودة فيها كما حدث بالنسبة للأكراد في العراق وجنوب السودان.