تحت العنوان أعلاه، نشر الكاتب والمحلل السياسي رامي الشاعر مقالة في صحيفة “زافترا” الروسية، حول الحرب ضد روسيا ومحاولة توريط بلدان عربية فيها.
عقد في قاعدة “رامشتاين” الجوية الأمريكية في ألمانيا اجتماع ضم أكثر من 40 دولة بغرض توسيع إمدادات الأسلحة في أوكرانيا.
وقد شارك في الاجتماع ثلاث دول عربية، جنبا إلى جنب مع إسرائيل، على الرغم من الموقف الذي أعلنته من قبل جامعة الدول العربية من التزام الحياد بشأن الأزمة الأوكرانية. وربما تتفهم روسيا مشاركة أي من الدول العربية في أي من الفعاليات الغربية دعما لأي أنشطة إنسانية أو مجتمعية أو سياسية، احتراما لحق الدول ذات السيادة في رسم خطوط سياستها الخارجية، واستنادا لواقعها الاقتصادي، وواقع ارتباطها بالمؤسسات الدولية، وبالقروض والمنح والمساعدات الغربية. إلا أن الحديث هنا يدور عن اجتماع واضح المعالم محدد الأهداف، يسعى لتوسيع إمدادات الأسلحة الهجومية، التي ستستخدم في الحرب ضد روسيا، وتلك ليست مجرد “مساعدات إنسانية” أو “أنشطة سياسية”، وإنما هي مشاركة حقيقية وواقعية في الحرب، واصطفاف لا مراء فيه إلى الجانب الخطأ من التاريخ، مع الغرب ضد روسيا قولا واحدا.
يأتي ذلك على خلفية تاريخ طويل من العلاقات بين الاتحاد السوفيتي/روسيا والعرب منذ الانتصار في الحرب العالمية الثانية، ومساعدة الاتحاد السوفيتي لجميع حركات التحرر، وبناء الجيوش العربية، والمشاريع الضخمة، والمواقف الداعمة للقضايا الوجودية للمنطقة العربية. يأتي ذلك، في الوقت نفسه، على خلفية قصف “الناتو” لدول عربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتغيير خرائط المنطقة، وإبادة الشعوب، والوقوف إلى جانب الاحتلال الصهيوني في صلف وغطرسة وتجاهل، بما في ذلك أحداث السنوات الأخيرة، ولا أقول تاريخ السبعين عاما الماضية. ألا يجسد ذلك متلازمة “ستوكهولم” متأصلة لدينا نحن العرب؟!(متلازمة ستوكهولم: ظاهرة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو مَن أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يُظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المُختَطَف مع المُختَطِف)
في سياق متصل، وافق الكونغرس الأمريكي على “مساعدات طارئة إضافية” لأوكرانيا بقيمة 33 مليار دولار، من بينها 20 مليار دولار من المساعدات العسكرية (للمقارنة فقط تتلقى مصر معونة قدرها 2.1 مليار دولار سنويا كمساعدات عسكرية، حجبت إدارة الرئيس بايدن 130 مليون دولار منها بسبب عدم امتثال السلطات المصرية لشروط حقوق الإنسان التي وضعتها الخارجية الأمريكية!). كذلك أقر الكونغرس بأغلبية ساحقة، يوم الخميس الماضي 28 أبريل، تشريعا يسمح للرئيس الأمريكي استخدام قانون يعود إلى حقبة الحرب العالمية الثانية لتزويد أوكرانيا بالأسلحة بسرعة على سبيل الإعارة والاستئجار.
ترى هل تدرك الدول العربية التي شاركت في اجتماع “رامشتاين”، على خلفية الظروف الراهنة بالذات، طبيعة المحاولات الخبيثة لإشراكهم بشكل غير مباشر في الحرب ضد روسيا؟ وهل يمكننا الآن أن نتفهم حقيقة أن الحرب ليست بين روسيا وأوكرانيا، وأن الحرب ليست بشأن الدونباس، ولا هي “احتلال” لدولة مجاورة، ولا أي من الذرائع التي يتم بيعها للرأي العام العالمي، لتسويق خطط الغرب؟ إن هذه الحرب هي حرب ضد روسيا دولة وشعبا وتاريخا وجغرافيا، إنها حرب لإزاحة روسيا من التاريخ ومن الجغرافيا معا، إلا أن الغرب يرتكب نفس الحماقات مجددا، متوهما أن بإمكانه تغيير عقيدة أمة بأكملها، بنفس آليات الثورات الملونة في دول أخرى لها ظروفها الخاصة.
إلا أن الجهل ببديهيات الجغرافيا وحقائق التاريخ وآليات الاقتصاد من جانب أجيال جديدة من السياسيين الأوروبيين، ممن يفتقدون أبسط قواعد المنطق ولا نقول السياسة، هو السبب فيما نراه من وصول الأزمة الأوكرانية إلى حافة الحرب العالمية الثالثة. فحينما تصرح رئيس المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بأن أوروبا مستعدة لتعليق إمدادات الغاز الروسي في حالة رفض الدفع بالروبل، فإن ذلك يعني بذلك ببساطة أن الوزيرة الأوروبية لا تعي أن مؤسساتها الصناعية لا بد وأن تتوقف تماما عن العمل، وتفصل عن الغاز بدءا من يوم غد، وخلال الصيف، حتى لا يموت السكان الأوروبيون من البرد. وذلك انتظارا لبناء محطات لاستقبال الغاز المسال من الخليج. كما لا تدرك فون دير لاين ومن معها أن استقبال الغاز من الخليج يعني قطعه عن الصين، وتلك طامة كبرى، لا أتوقع أن تسكت عنها الصين.
كذلك فإن ما يسمى بـ “إغلاق المجال الجوي أمام روسيا”، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الشركاء الأوروبيين لم يكلفوا خاطرهم بالنظر إلى خريطة العالم ليروا حجم أوروبا بالنسبة لحجم روسيا، وليدركوا من يغلق العالم على من، ومن يضطر للبحث عن خطوط طيران أبعد وأشق وأكثر تكلفة للوصول إلى أقصى شرق آسيا.
أما الجهل بالتاريخ، فلا جناح على الوزيرة الأوروبية وزملائها، فقد ولدت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بـ 13 عاما، ولم تتح لها الفرصة، فيما يبدو، لدراسة تاريخ هذه الحرب جيدا، خاصة وأن الرواية المزيفة التي يحاول الأوروبيون تزويرها وبيعها للعالم خلال عقدين من الزمان لا تقترب من الحقيقة في أي من تفاصيلها، خاصة وقد تجاهل سيدها الأمريكي، دونالد ترامب، ذكر اسم الاتحاد السوفيتي كصانع للنصر على النازية في الاحتفال بمرور 75 عاما على هذا النصر، مكتفيا بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ودول أوروبا، في سابقة دولية خطيرة، تتجاهل تضحيات بلادنا ودورها الرئيسي في الحرب العالمية الثانية، التي بذل فيها الاتحاد السوفيتي زهاء 27 مليونا من مواطنيه فداء لحرية أوروبا، التي تأتي اليوم لتحاضرنا عن “الحرية والديمقراطية”، ولتضع روسيا أمام تحد وجودي لتصحيح التاريخ والجغرافيا والسياسة معا بضربة واحدة.
لقد وجد العالم ضالته في مهرج يمتهن الكوميديا يحتفون به، ويحاولون منحه جائزة نوبل للسلام، ويضعونه على غلاف مجلة “التايم”، لا بأس! فطالما احتفل الغرب بقادة وزعماء من قبل، كانوا سببا في دمار بلادهم، وفناء شعوبهم، وانهيار اقتصادهم. في نفس ذات الوقت يحاول الغرب محو تاريخ التاسع من مايو، عيد النصر على النازية، الذي تحتفل ويحتفي به الشعب الروسي كل عام بعرض عسكري مهيب يقام هذا العام للمرة السابعة والسبعين، وليس ذلك مجرد عطلة عادية لدى المواطنين الروس، أو مناسبة ترفع فيها الكؤوس والأنخاب فحسب، وإنما هي ذكرى تنتقل من جيل إلى جيل، تعلم الأطفال أن تاريخ الأجداد وتضحياتهم من أجل الأمة الروسية وتاريخ البلاد لا ولن ينسى أبدا، وروسيا التي تمكنت في الحرب العالمية الثانية من دحر أعداء الإنسانية، وهزيمة النازية، والوصول إلى برلين، بعدما كانت قوات هتلر قد وصلت إلى ستالينغراد، ستتمكن مجددا من الوقوف جدارا صلبا أمام محاولات تفكيكها وهدمها أو خلخلتها من الداخل. فجوهر الدولة الروسية هو الشعب وهو الإنسان وهو التاريخ وهي الأمة التي صنعت هذا التاريخ.
لقد أفشل الجيش الروسي بالفعل خطط “الناتو” في وضع خنجر مسدد إلى ظهر روسيا، متمثل في الجارة أوكرانيا، ونجحت القوات الفضائية الجوية الروسية في تحييد البنى التحتية التي عكف على بنائها “الناتو”، ودافعت وتدافع القوات المسلحة الروسية بشجاعة عن الأمن القومي الروسي ووجود الدولة الروسية، بعدما استبقت الخطط الخبيثة التي كانت على وشك أن تبدأ من حدود الدونباس لتفرض على روسيا واقعا عالميا جديدا لا يمكن أن تقبله روسيا. لذلك يأتي يوم النصر في هذا العام، 2022، بطعم مختلف تعود معه بطولات الماضي لتتجسد حاضرا ومستقبلا للأمة الروسية.
يزعمون أن روسيا لم تتخلص من ماضيها الشيوعي بعد، بل إن أوروبا والغرب هم من لم يتخلصوا من هواجس وكوابيس وهلاوس الحرب الباردة بعد، بل إن وجود “الناتو” في حد ذاته، وتمدده شرقا طوال العقود الثلاثة الماضية، لدليل دامغ على استمرار الولايات المتحدة الأمريكية وأذنابها الأوروبية في الحياة داخل كتب تاريخ الحرب الباردة وصراع طواحين الهواء. لقد تغيرت روسيا، لكن الغرب لم يتغير.. تحولت روسيا إلى اقتصاد السوق، وحاولت بكل ما يمكن من قوة وزخم الانخراط في آليات وأنشطة “العالم الحر”، بل ووقفت روسيا إلى جانب “الناتو” والولايات المتحدة الأمريكية في حروبها ضد الإرهاب، وغضت الطرف عن كثير من الانتهاكات بحقها، إلا أن الغرب، مع كل هذا، لم يتغير قدر أنملة، وبقي على نفس وضعه منذ ثلاثين عاما، تداعبه أوهام القوة والغطرسة وما لا زال يظنه “انتصارا في الحرب الباردة”.
إن إحياء الحرب الباردة ومحاولات تحويلها إلى حرب عالمية ثالثة هي صناعة أمريكية وتبعية أوروبية وخيانة أوكرانية لدولة شقيقة يرتبط شعبها وتاريخها معها بروابط الدم والأخوة والماضي المشترك. لا يزعجنا في روسيا ذلك، فنحن نقرأ الحاضر، على خلفية حقائق التاريخ، وانطلاقا من معطيات الجغرافيا، ومستجدات السياسة. أما هؤلاء ممن يعجزون عن القراءة فهناك أساليب أخرى للتعلم.
المقالة تعبر عن رأي الناشر