تقرير سياسي (خاص – ماتريوشكا نيوز): كيف سيتحول وجه المنطقة العربية بعد معركة ” طوفان الأقصى”؟
نحن اليوم أمام مفترق طرق إقليمي ودولي، فحرب 7 أكتوبر 2023 ليست كسابقاتها من حروب على غزة أو على عموم فلسطين، فلماذا هي ليست كغيرها من الحروب؟!
إننا أمام نظام دولي جديد يتشكل، بدأت إرهاصاته تتجلى للعيان في العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وبدأ العالم ينقسم إلى حلفين، حلف يدعم روسيا واخر يدعم أوكرانيا، واستمرت هذه القصة إلى أكثر من سنتين ونصف، بل مازالت إلى يومنا هذا، وبعدها بدأت حرب السابع من أكتوبر لتعزز هذه الإرهاصات ومرّةً أخرى انقسم العالم إلى قسمين: معسكر يدعم المقاومة الفلسطينية التي تقودها حماس وتجلّى فيه محور المقاومة، ومعسكر آخر بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وشركائها في الغرب الإمبريالي الإستعماري القديم والجديد الذي يضم كلاً من (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، هولندا، إيطاليا…) إضافة إلى أنّ كل قوى الإستعمار التي إستعمرت آسيا وأفريقيا وغيرها من المناطق في هذا العالم خلال القرون الماضية قد دخلت في هذا الحلف مع الولايات المتحدة و”إسرائيل” لمواجهة قوى المقاومة الفلسطينية التي تقودها حماس، فكل هذه الأساطيل تحركت لمواجهة (فصيل)!
ولكن القصة هنا ليست قصة فصيل، وليست قصة مقاومة فلسطينية فقط، إنما القصة هي إعادة رسم خارطة هذه المنطقة التي يطيب لهم أن يسمّوها “الشرق الأوسط” ونحن نسمّيها “المنطقة العربية” فهذه بلادنا العربية، والقصة ليست فقط في إعادة رسم خرائط هذه المنطقة وإنما إعادة رسم التوازنات في النظام العالمي الجديد أيضاً، والذي يسعى فيه لاعبون جدد كالصين وروسيا إلى أن يملؤوا موقعهم على طاولة “الكبار” في هذا العالم.
وقبل أن نذكر تداعيات ما يحصل على المنطقة، من المهم جداً أن ندرك ما الذي حصل في 7 أكتوبر، ولماذا حصل هذا الاستنفار لدى الدول الأجنبية، وما الذي دفعها للدخول في معركة كهذه في الإقليم، مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي تحصل فيها معركة ما بين حماس ودولة الاحتلال ولم يكن هناك استنفار كما يحصل اليوم!
والسبب يكمن وراء حجم الحدث الذي قامت به المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر فهو ليس كغيره، لقد كان أكبر بكثير مقارنة بغيره بدءاً من حرب 1948. وما جعل حجم هذا الحدث كبير هو دخول مستوطنات ما يسمى بغلاف غزة من قبل عدد من المقاتلين لا يتجاوزون 1500 مقاتل وبإسناد من 1000 مقاتل آخرين، هؤلاء قاموا باقتحام الجدار العازل الذي تبلغ كلفته 2 مليار دولار ويمتد بعمق 8 أمتار تحت الأرض ويبلغ طوله فوق الأرض أيضاً 8 أمتار، فتم اقتحامه في أكثر من عشرين نقطة، هذا الجدار العازل كان مدججاً بأحدث الأجهزة من كاميرات تنصت وأبراج مراقبة وكان يعتبر العائق الأول لدى الفلسطينيين إذا ما فكروا بالخروج من داخل قطاع غزة المحاصر منذ عام 2007، وما حصل هو أنهم قاموا باقتحام هذا الجدار وقبل اقتحامه أسقطوا الجدار الاستخباري، فالنظرية الأمنية عند “إسرائيل” كانت تقوم على خمسة عناصر؛ العنصر الأول هو “التفوق الاستخباري”، وما قامت به حماس في 7 أكتوبر هزم ما كانت تعتقده “إسرائيل” أنه تفوق استخباري، بمعنى آخر حماس تفوقت على “إسرائيل” في استخباراتها، فالاستخبارات الإسرائيلية فشلت في التنبؤ بنية حماس، وفشلت أيضاً في رؤية ما تقوم به حماس لأنها سبق وقامت بتدريب يحاكي 7 أكتوبر فقط بأربعة أيام تحت مرأى ومسمع فرقة غزة ووحدة 8200 الاستخبارية، ورصدوا التدريب، فقد تدربت حماس مع الجهاد الإسلامي وباقي فصائل المقاومة على نفس الإجراءات التي قاموا بها لاحقاً ولكن المحللين الإسرائيليين قالوا أن “حماس لا تثق بالفصائل الأخرى، وبالتالي هذا التدريب هو مجرد استعراض من حماس”، ولم يأخذوا الموضوع على محمل الجد.
وعند الهجوم الذي بدأ من الساعة الثالثة إلى السادسة فجراً قبل أن ينفذ الهجوم الساحق كان لديه مقدمات وقد رصدت هذه المقدمات أجهزة المخابرات الإسرائيلية الموجودة في الوحدة 8200 ورأوا الاختراقات التي كانت تتم ليلاً ولكنهم اعتقدوا أنه “تدريب جديد” تقوم به حماس وكانت اختراقات محدودة، فاختلفت آراء الضباط الذين كانوا يقومون برصد ما يحصل فيما بينهم، بين من يريد إخبار نتنياهو بما حصل، ومن لا يريد، باعتبار أن ما يحصل أمر مبهم وغير واضح، وكان لديهم قناعة استخبارية بأن حماس مشغولة بتشغيل الشعب الفلسطيني والقيام بصفقات مع “إسرائيل” من أجل العمال الفلسطينيين كونها أصبحت سلطة داخل قطاع غزة، وليست معنية إلا بجمع المال وتشغيل العمال، وبالتالي ليس لديها مصلحة في أن تنفذ أي هجوم على “إسرائيل”، لذلك اتفقوا على عدم إخبار نتنياهو انطلاقاً من تحليل ما يحصل على أنه مجرد تدريب.
ولكن عند الساعة السادسة صباحاً كانت حماس قد اقتحمت أكثر من 22 نقطة عسكرية بما فيها قواعد بالغة التحصين، وتمكنت من السيطرة على معلومات أخذتها من السيرفرات الموجودة في فرقة غزة وفرقة 8200 فأخذت كمية كبيرة من المعلومات الخطيرة جداً وعادت بها إلى غزة، بالإضافة إلى ذلك أسروا عدداً من الضباط والجنود، وبعدها تطورت العملية فقد كان هناك تقدير لدى حماس أنه خلال ست ساعات تستطيع السيطرة على المواقع ولكنها سيطرت عليها خلال ثلاث ساعات فقط، عندها توسعت الخطة وأكملوا باتجاه المستوطنات، وهناك قام الجيش الإسرائيلي بقتل “شعبه” وذلك بعد تفعيل بروتوكول “هنيبال” الذي يستخدمه جيش الاحتلال لمنع أسر جنوده حتى لو كان ذلك بقتلهم، لذلك قاموا بقتل الجميع كي لا تأخذ المقاومة الفلسطينية المزيد من الأسرى.
وهنا نشير إلى أن إحدى أهم منشآت التجسس لدى الاحتلال الإسرائيلي، بل على مستوى العالم كله كما قالت عنها صحيفة “لوموند” الفرنسية قاعدة “أوريم” الإسرائيلية التي أنشأت بتعاون أمريكي وبريطاني وكندي وأسترالي ونيوزلندي، ومهمتها التنصت والتصوير والتشويش والاعتراض للمكالمات حتى البحرية منها، ويغطي نطاقها الشرق الأوسط وأوروبا وإفريقيا وآسيا.
والتي تقول “إسرائيل” إن القاعدة نجحت في اختراق المفاعلات النووية الإيرانية بإطلاق فيروس “ستوكسنت” لتخريب بنيتها التحتية؛ والرغم من أن القاعدة تخضع لحماية أمنية مشددة من أسوار عالية وبوابات إلكترونية وأسلاك كهربائية وكلاب بوليسية، ناهيك عن قدراتها الفائقة كما روجت لها “إسرائيل”، فإنها أخفقت في رصد تجهيزات عملية السابع من أكتوبر وانهارت أمام عناصر المقاومة الذين تمكنوا من اقتحامها والحصول على أوراق وملفات استخباراية سرية وأجهزة حساسة للغاية قبل أن ينسحبوا من الموقع بنجاح لتسقط أسطورة إسرائيلية وهمية بأيادٍ فلسطينية، وبالتأكيد فصائل المقاومة الفلسطينية ستستفيد من تلك الوثائق التي تم الإستيلاء عليها.
وعندما ذهبت حماس لتنفيذ الاقتحام بقي عدد من المقاومين مختبئين داخل غلاف غزة لمدة ثلاثة أيام، وهذا حدث غير مسبوق لأن عناصر نظرية الأمن الإسرائيلي انهارت، فالعنصر الأول وهو “التفوق الإستخباري” الذي قد تلاشى والعنصر الثاني الذي يتمثل بـ”الجدار العازل” الذي كان يستهلك طاقة فصائل المقاومة سابقاً سقط، أما العنصر الثالث المتمثل بـ”التفوق التكنولوجي” والذي تعتبر “إسرائيل” نفسها أهم قوة فيه في الإقليم بل وفي العالم فترتيبها العالمي هيو الثاني بعد روسيا في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ودول العالم العربي تقوم بشراء البرامج المحوسبة والتقنيات من دولة الاحتلال، والجدير بالذكر هنا هو برنامج “بيغاسوس” وكيف استخدمته أجهزة المخابرات العربية في إقتحام وإختراق هواتف عدد من النشطاء في أكثر من دولة. بالرغم من ذلك غلبتهم حماس في لعبة التفوق التقني التكنولوجي باللاتكنولوجيا كما قال الأميركان أنفسهم “high technology was defeated by no technology” فقد كان المقاومون في حماس يتواصلون فيما بينهم بالأجهزة اللاسلكية القديمة ويستخدمون الهواتف الارضية، لذلك فإن العنصر الثالث الذي يتمثل بـ”التفوق التكنولوجي” المزعوم قد سقط أيضاً، أما العنصر الرابع فيسمى بـ”استراتيجية جز العشب” أي أنه كلما راكمت المقاومة قوة تأتي “إسرائيل” وتشن حرباً على قطاع غزة لكي تدمر وتستنزف قدراتها، لذلك شهد القطاع خمسة حروب كبرى بالإضافة الى ثلاث حروب أصغر.
ولذلك كانت “إسرائيل” تعتقد أنه لا يوجد أي عمل مقاوم جديد نظراً إلى أن آخر حرب على غزة كانت عام 2021 ولا يوجد خطورة من حماس أو باقي فصائل المقاومة الفلسطينية، وهذه المسألة أيضاً سقطت. وآخر عنصر هو أن “الطرف الأقوى هو الطرف الذي يحدد توقيت المعركة” فمنذ أن نشأ الكيان كانت دولة الاحتلال في كل حروبها هي من يحدد توقيت المعركة، ولكن هذه المرة بدأت الحرب بتوقيت حماس ومعركتهم لم تكن داخل أرض غزة بل كانت داخل الأرض التي تعتبرها “إسرائيل” جزءاً من دولتها، فحماس وفصائل المقاومة هاجمت “إسرائيل” في عقر “دارها”، فالحروب السابقة لم تكن في عقر دار “إسرائيل” بل عقر دار العرب، لذلك انهارت نظرية الأمن الإسرائيلي وأمام هذا الكلام أصيبت الدول التي أوجدت “إسرائيل” في منطقتنا كـ”مشروع متقدم” في هذه المنطقة بـ”الجنون”، فقد انهارت صورة الردع الإسرائيلي وصورة الجيش الذي لا يقهر، وتبين أنه مجموعة من الشعب المحاصر منذ سبعة عشرة سنة استطاعوا أن يهزموا هذا الجيش الذي يعتبر نفسه الرابع على صعيد العالم، فكان لا بدّ من ضربات سريعة موجعة لتستعيد الردع الإسرائيلي.
لذلك ما نراه اليوم في الحرب على المدنيين في غزة من أطفال ونساء وشيوخ هي حرب لديها أهداف غير معلنة وهي: أولاً، كَي الوعي، بمعنى أن الفرحة التي حصلت لدى العالم في يوم 7 أكتوبر يجب أن تستبدل بألم ودموع وتتندم على يوم 7 أكتوبر، كي لا يفكر أي شعب عربي آخر وأي شخص في الضفة الغربية والقدس بإنتاج 7 أكتوبر جديد، فهذه رسالة ردع قاسية والمراد منها إرهاب المجتمعات العربية والإسلامية وهذه الرسالة ردّدها الإعلاميون في “إسرائيل” على الشاشات، ووجهوا تحذيرات إلى كل الأمة العربية والإسلامية أنه سيُفعل بكم كما يفعل الآن في غزة، وهذا واحد من الأهداف الغير معلنة فالأهداف المعلنة معروفة لدى الجميع، وتتمثل بـ”القضاء على حماس، وتفكيك منظومتها السياسية والعسكرية، واستعادة الرهائن، وفرض سلطة أمنية جديدة في القطاع موالية لدولة الاحتلال، وبناء منطقة عازلة، وتغيير ديموغرافي في القطاع”.
أما الأهداف الغير معلنة فهي ما تم ذكره سابقاً من “الإرهاب، والتخويف”، والأهم والأخطر هو مشروع الصهيونية الذي يتم تنفيذه على مراحل والذي جاءت الآن اللحظة المناسبة ليدخل في مرحلته الثالثة، فالمرحلة الأولى كانت عام 1948 والمرحلة الثانية كانت عام 1967 أما المرحلة الثالثة فهي عام 2023.
وهنا نشير بالقول بأن التفوق الاستخباري الإسرائيلي هو أحد أهم مرتكزات الأمن القومي الإسرائيلي كما ذكرنا سابقا، ويستند في ذلك على أسرة الامن والمخابرات المكونة من ثلاثة أجهزة رئيسية، وهي:
١ . الموساد، وهو جهاز المخابرات وساحة عمله الرئيسية في الخارج.
٢ . الشباكك، الأمن الداخلي، وساحة عمله الرئيسية الداخل والمحيط الفلسطيني ويهتم ايضاً بمكافحة التجسس.
٣ . المودعيم، الاستخبارات العسكرية، وهي مسؤولة عن أمن الجيش وجمع المعلومات عن الجيوش العربية كأسبقية إهتمام أولى.
أهم مهمة تضطلع بها الاستخبارات العسكرية هي إعطاء الإنذار الاستخباري المسبق، وحدد لها ٤٨ ساعة قبل تحرك العدو لتقوم بالضربة الاستباقية الإجهاضية ولكي تعطي الفرصة لإلتحاق الاحتياط وللانفتاح والمواجهة قبل تحقيق العدو هدفه، وعلى جميع هذه الأجهزة جمع المعلومات عن تحركات ونوايا العدو ولكن الاستخبارات، (المودعيم) هي المسؤولة في النهاية عن تقدير وتقييم المعلومات وإعطاء القيادة خلاصة الاستخبارات والإنذار المسبق.
أمام هذه المسؤوليات والمهام امتُحنت واختُبرت هذه الأجهزة استراتجيًا مرتين في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، المرة الأولى كانت في حرب ٦ اكتوبر عام 1973، ويٌطلق عليها العرب اسم “حرب رمضان” ويسميها الإسرائيليون “حرب يوم الغفران”. والمرة الثانية في٧ اكتوبر، عام 2023 والتي أطلق عليها تسمية “طوفان الأقصى”. في كلا المرتين فشلت أسرة الأمن والمخابرات وخاصة الاستخبارات العسكرية في تقدير نوايا الطرف الاخر وإعطاء الانذار المسبق بوقت مقبول.
وهنا يُطرح السؤال الرئيسي لماذا فشلت أجهزة “إسرائيل”؟
١. نجاح خطة الخداع والتمويه المصرية والسورية في عام 1973، والمقاومة الفلسطينية على رأسها حماس في عام 2023، وفي كلا الحالتين قدّر الإسرائيليون أن التحركات المقابلة هي لأغراض التدريب وليست استعدادات هجومية، ومن جهة حماس فإنها مشغولة بجمع الأموال وأمور ومشاكل غزة الداخلية.
٢. السرية والكتمان التي أحيطت بها خطط ونوايا التحركات وحصرها بدائرة ضيقة من أصحاب القرار فقط، حتى إن أقرب الحلفاء والأصدقاء فوجئوا بيوم التنفيذ، وأن إيران وحزب الله من أقرب الناس لحماس والجهاد فوجئوا هم أيضا وصرحوا بأن عملية “طوفان الأقصى” هي تخطيط وإشراف فلسطيني بحت.
٣. وصلت للمخابرات الإسرائيلية في كلا الحربين نتف ومعلومات متفرقة عن التحركات والنوايا ولكن لم يتم التعامل معها باهتمام وجدية وفي الاخراهملت كما يدعون، وهذا يمثل إهمال لأهم مبدأ من مبادئ عمل المخابرات المتمثل بالاستخبار، وتتحمل الاستخبارات العسكرية مسؤولية ذلك خاصة الوحدة 8200 التابعة للمودعيم في حرب غزة الاخيرة.
٤. الغرور والخيلاء والمكابرة والمفاخرة التي سيطرة على تفكير وعقول المختصين في الجانب الإسرائيلي كونهم لا تفوتهم أي فائتة وأنهم لايخطؤون! فكانت النتيجة المخيبة لهم في كلا الحربين مع الفارق بين إمكانيات وظروف المرتين والتي تميز فيها الفلسطينيون وأظهروا براعة أكبر من قابلية دول بعينها. ومن تقييم موضوعي مهني فإن عملية “طوفان الأقصى” برعت فيها حماس مقارنة بحرب 7 اكتوبر عام 1973 وذلك لأن حماس والجهاد فصائل، بينما في حرب تشرين 1973 كان خصم “إسرائيل” دول، وهم مصر وسورية ولاحقاً العراق. وبالنظر إلى أن جغرافية حماس محصورة في رقعة ضيقة، 42 كم طول و6 إلى 15 كم عرض، بينما مصر وسورية في رقعة جغرافية كبيرة جداً لاتقارن مع غزة في عام 2023، وإن إمكانيات التجسس والإستطلاع عند “إسرائيل” أفضل بأضعاف نوعاً وكماً مما كانت عليه في العام 1973 خاصة أذرعها الإلكترونية مثل الوحدة 8200 والأقمار الصناعية، وهذه تحسب كمميزات تفوّق نوعي عند حماس التي كسرت وحطمت مرتكز التفوق الاستخباري الإسرائيلي في أكتوبر 2023 كما حطمت حماس والفصائل الأخرى قاعدة الجيش الذي لايقهر في مقاومتها الأسطورية على مدى أكثر من 100 يوم وهذه المقاومة الأسطورية فاجأت تقديرات أسرة الأمن والمخابرات في “إسرائيل” كإرادة وتحمل وكتسليح مصنّع محلياً وتنظيم قتالي لم تفقد فيه حماس توازنها ولم تفقد القيادة والسيطرة ونظام الأنفاق الهندسي الرائع. لقد فشلت أجهزة “إسرائيل” في تشخيص وتقدير وتقييم كل قدرات حماس القتالية، وبالتاكيد إنه فشل استخباري نوعي آخر.
فاستراتيجتهم قائمة على ثلاث عناصر، حرب إبادة تشن بقسوة منقطعة النظير كما حصلت سابقاً في عام 1948 و 1967 وذلك لترهيب الجزء الثاني الذي بقي على قيد الحياة وهذا الجزء المتبقي يتم تهجيره، إذن تدمير وإبادة يتبعه تهجير، وبعد التهجير يتم الاستيلاء على الارض والثروات، واليوم وجدت “إسرائيل” في 7 أكتوبر فرصتها من أجل تنفيذ هذا المخطط، فسابقاً كانت صفقة القرن التي تتضمن ترحيل الفلسطينيين إلى سيناء، وترحيل جزء من سكان الضفة الغربية والقدس إلى الأردن، ولكن لم يتم تنفيذ المخطط ولم يعد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، أما المشروع فلا يزال قائماً والإدارة الأميركية الحالية مازالت تدعم “إسرائيل” وتتبنى مشروع الحركة الصهيونية فالرئيس الأميركي الحالي جو بايدن قال عن نفسه أنه “صهيوني” ووزير الخارجية أنتوني بلينكن قال أنه سيأتي إلى المنطقة بصفته “يهودي” ونائبة الرئيس كمالا هاريس زوجها وأولادها يهود ومنسق مجلس الأمن القومي الأميركي صهيوني أيضاً، لذا قد وجدوا أمامهم الفرصة وهذا هو أيضاً هدف غير معلن، مع العلم أنه تم تقديم عشرات القرارات والمشاريع لمجلس الأمن لإيقاف إطلاق النار وإدخال المساعدات ولكن أميركا و”إسرائيل” لم تقبل، ليس لأنهما تحت تاثير الثأر والإنتقام كما الشارع الاسرائيلي بل لأنهما وجدا فرصة في تنفيذ المشروع الذي فشل سابقاً وكان تحت مسمى صفقة القرن والأمر الذي يحلمان به الآن هو أن ينتصرا ولذلك نحن الآن أمام اثنين من السيناريوهات الرئيسية إما أن ينتصر فعلاً هذا التحالف الغربي الاستعماري وإما أن يهزموا.
واذا انتصر هذا التحالف الغربي أي حققوا أهداف الحرب المعلنة منها والغير معلن واستطاعوا القضاء على المقاومة واجبارها على الاستسلام أو مغادرة قطاع غزة والضفة الغربية ومغادرة كل فلسطين المحتلة وتهجيرهم إلى الخارج كما حدث مع المقاومة الفلسطينية في لبنان عام 1982، فإذا نجحوا في ذلك سينجحون في فرض الآتي:
إما “إسرائيل” تعيد احتلال القطاع وجميع المناطق في الضفة الغربية لأنها أعلنتها جميعها في هذه الحرب مناطق C والتي كانت سابقاً تحت تصنيف A&B أي تحت سيطرة السلطة الفلسطينية ستعيد احتلال الأرض وتواصل تهجير السكان إما قصراً أو عبر التهجير الناعم الذي يتمثل بجعل الحياة مستحيلة في المكان، أي تدمير كل البنى التحتية وقطع تمديدات المياه الصالحة للشرب ومنع إدخال الغذاء والدواء، وحينها ستنعدم مقومات الحياة وعند فتح أي باب سوف يخرج الفلسطيني مهما كان صامداً ومحباً لأرضه لأنه في نهاية المطاف تشتعل عنده غريزة البقاء، لذلك إذا نجحوا في فرض أهدافهم فإن الدور قادم على الأردن، فالفلسطينيين سوف يذهب قسم منهم إلى الأردن وقسم لمصر واخر الى سورية ولبنان وجزء سيذهب إلى نيوم السعودية التي تم بناؤنها من أجل هذا الهدف، وبالتالي تصبح فلسطين لقمة سائغة أمام الاحتلال الذي سيعلن سيطرته على كامل الأراضي الفلسطينية وتنفتح شهيته فوراً نحو الأردن.
وكل المتطرفين في حكومة نتنياهو يعلنون ذلك، حتى المعارضين ومنهم ليبرمان، يقولون أنه عليهم الاستعداد لحرب مع الأردن وقبله أعلن وزير المالية سموتريتش أن “الأردن لنا وفلسطين لنا”، ومن ثم صرحت وزيرة اسرائيلية أن “هؤلاء الفلسطينيين هم أقل من الحيوانات ويجب إبادة غزة كاملة وتحويلها إلى ملعب كرة قدم”، وبعدها صرح سيناتور أميركي معروف ومهم في الحزب الجمهوري ويعتبر من أقدم السيناتورات في الكونغرس ليندسي غراهام بأن “هذه حرب دينية وهؤلاء حيوانات يجب أن يتم تصفيتهم”، ومن بعدها يقوم نتنياهو ويستعين بنصوص من سفر التثنية التي تقول “تذكر ما فعله بك عماليق امحوا ذكر عماليق من تحت السماء لا تنسى” ويقول أنهم متذكرين ولم ينسوا وسوف يمحون عماليق من تحت السماء، كما أن هناك نص ثان من سفر التثنية يقول “فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلًا وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعاً، بَقَراً وَغَنَماً، جَمَلاً وَحِمَاراً” وهذه دعوة للإبادة، لذلك فالحرب لم تتوقف إلى حد الآن، وهناك تجاهل للنداءات والاستغاثات لأن ذلك هو المطلوب, إبادة قسم كبير من الشعب الفلسطيني من أجل تحقيق مخطط التهجير ثم إعادة احتلال الأرض.
وهذا كله سيحصل في حال انتصروا في هذه الحرب، فإذا نجح المشروع الصهيوني في تحقيق ما يسمى “إسرائيل الكبرى” وقد استعان مجدداً نتنياهو بنبؤة أشعيا والتي تتحدث عن أرض “إسرائيل” التي تمتد من النيل إلى الفرات أي أن اليمين الإسرائيلي الذي يمثل 55% من الشعب الإسرائيلي عاد له الحلم في “إسرائيل الكبرى” وإذا اجتازوا مقاومة فلسطين سيكون الدور القادم على الأردن وسوف يستهدفون باقي المقاومة في لبنان وسورية والعراق واليمن، وإذا اجتازوا الأردن فالدور قادم على كل المنطقة العربية، وبالتحديد العراق (بابل).
أما السيناريو الثاني المضاد، هو انتصار المقاومة والتي لازالت إلى الآن تسجل انتصارات في أرض المعركة بالرغم من الإبادات، وانتصار المقاومة يتمثل في تحقيق أهدافها المعلنة على الأقل والتي تتمثل أولاً، بتبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين، وهنا نشير بالذكر الى أن “إسرائيل” قامت ببناء سجن جديد في جنوب النقب تمارس فيه أفظع أشكال التعذيب بحق الفلسطينيين الذين قامت بأسرهم خلال هذه الحرب في غزة والضفة الغربية، لنزع اعترافات منهم لأنهم غير قادرين على الوصول لأيّ معلومات استخباراتية تفيدهم فاعتقلوا آلاف الاشخاص من غزة والضفة ووضعوهم في هذا السجن يعذبون بأبشع أشكال التعذيب، أما الهدف الثاني، هو الحد من الاعتداءات على المسجد الأقصى لأن هذه العملية والتي جاءت تحت عنوان “طوفان الاقصى” كانت نصرة للمسجد الأقصى الذي كان يتعرض لحملة شرسة من أجل تحويله من رمز إسلامي إلى رمز يهودي يهدم ويبنى مكانه الهيكل، لذلك أرادت المقاومة أن يستفيق العالم العربي والإسلامي نصرة للمسجد الاقصى، ولكن الأهداف الأهم هي الأهداف غير المعلنة، فـ 7 أكتوبر أوقفت قطار التطبيع الذي كان مهدد لأن تركَبُهُ أهم دولة إسلامية وهي السعودية! (مكة المكرمة) ولو ركبته لودعنا فلسطين، والهدف الثاني الغير معلن هو وقف مشروع التصفية الذي كان متفقاً عليه بين عدداً من حكومات الإقليم و”إسرائيل” وأميركا وهذا المشروع لا يتضمن قيام دولة فلسطينية ولا على أيّ شبر من الأراضي الفلسطينية لأن نتنياهو قال ولا زال يقول بأن “الفلسطينيون لا يحق بأن يكون لهم دولة لأن لديهم دولة وهي الأردن”، وأيضاً من الأهداف المعلنة هو فك الحصار عن قطاع غزة، فلا يعقل أن تظل غزة محاصرة لسبعة عشرة عاماً، والأهم من كل هذا الكلام هو كسر نظرية الجيش الذي لا يقهر وهيبة الردع الإسرائيلي الموهومة، وقد ظهر في السابع من أكتوبر بأنّ هذا الجيش عبارة عن مقلب ومازال يظهر حتى هذه اللحظة في الحروب البرية أنه مقلب وان هذا الجيش هو نمر من ورق، ولولا تفوقهم الجوي بسلاح الطيران الذي تحرص أميركا أن يبقوا متفوقين فيه، ولولا عدم وجود مضادات للطيران لدى المقاومة الفلسطينية لكانت المقاومة اليوم في تل أبيب وليس في غزة.
إذن إن انتصرت المقاومة فهذا هو السيناريو الأفضل والمناسب لأهل المنطقة كلها، والذي سيحميهم من مخطط التهجير، فالتهجير ليس فقط تغيير ديموغرافي التهجير سيتبعه تغير في النظام السياسي. هذه هي اللعبة والمخطط لذا إن انتصرت المقاومة لن يكون هناك تهجير ولن يكون هناك تغيير في النظم السياسية، والأهم من ذلك أن الأنظمة العربية ستلتقط أنفاسها هذا إذا كانت تمتلك القليل من الوطنية، فإذا افترضنا أنهم مغلوبين على أمرهم وخائفين وليس لديهم حيلة للقيام بأي عمل فستعطيهم المقاومة نَفَساً في تحدي الهيمنة الاميركية والامبريالية وستتغير كل معادلات العلاقات مع أميركا والحلف الغربي الاستعماري هذا إذا كانوا يريدون أن يغيروا المعادلات، وأن هذا المخطط يشمل الأردن وسورية ولبنان ومصر وفي المراحل القادمة سيشمل السعودية والعراق وبعدها سيصلون أيضاً إلى اليمن لأن أصل اليهود من اليمن و 95% من المناطق المذكورة في توراتهم موجودة في اليمن وليس فلسطين.
أهم ما في الموضوع وجوهر حديثنا هو ماذا اذا انتصرت المقاومة؟ أو العكس ماذا لو انتصر الصهاينة؟
يوم أمس حسم وزير الدفاع الاسرائيلي، غالانت الموقف وقال، أن “إسرائيل” مستمرة بالقتال حتى تحقق أهدافها المعلنة، تحقيق النصر مهما كلف الثمن، وأن عام 2024 هو عام الحرب والانتصار، وبذلك رد على دعوات صفقة التبادل والتي يتبناها مؤخراً عضوا مجلس الحرب الجنرال بيني غانتس (وزير دفاع سابق) والجنرال غادي إيزنكوت (رئيس أركان سابق) وهذا يفسر حجم الخلاف داخل المستوى السياسي والحربي، حتى إنهم إتهموا نتنياهو وغالانت وليفي (رئيس أركان الجيش) بالكذب على الشعب.
فقد أصبح واضحًا ولا يقبل الشك أن العدو الإسرائيلي قد سحب “الفرقة 36” من غزة لزجّها في عملياته المقبلة في جنوب لبنان، وهذه الفرقة أساسا من تشكيلات قيادة المنطقة الشمالية وحدود مسؤوليتها وتدريباتها هما الجولان وجنوب لبنان، خاصة “لواء الجولاني” الذي يعتبر من النخبة والذي خسر في غزة ثُلث قواته تقريبا. ومن الضروري أخذ ذلك بأهمية بالغة، فقد يبدو، بل ويُتوقع أن “لإسرائيل” نيّة في توسيع عمليّاتها البرية داخل الأراضي اللبنانية، يعني نقل الحرب إلى الأراضي اللبنانية ودفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني وهذا هدف معلن من قيادتهم العسكرية.
الخلاصة، هي أن مصلحة أهلنا في منطقتنا العربية هي دعم الشعب الفلسطيني وأن لا تهتز أو تنثلم عزيمة المقاومة في فلسطين بغض النظر عن أي مسمى لها، فليكن اسمها ما يكون ليس مهما، الهدف الاستراتيجي هو أنه طالما هذه المقاومة موجودة فهي خط الدفاع الأول عن الأردن وسورية ولبنان والعراق وحتى السعودية ودول الخليج، والمصلحة تكمن في حمايتها ليس أن نضعفها, ويجب أن نوقف الحرب فوراً لأنه إذا طالت الحرب فإن سيناريوهات انتصار “إسرائيل” والغرب (لا سمح الله) ترتفع كفّتها في مواجهة سيناريوهات انتصار المقاومة، ففي النهاية المقاومة هي مجموعة فصائل محاصرة ومعزولة فإلى متى يستطيعون أن يصمدوا بدون أكل وشرب وكيف سيصنعون المزيد من الأسلحة؟ لذلك على الدول التي تقول بأنها ضد التهجير والوطن البديل عليها أن توقف الحرب اليوم وليس غداً لأن كل يوم يمر يزيد من احتمالات تفوق السيناريو الأول (لا قدر الله). إذن، الخيار الذي أمام المقاومة هو المواجهة والثبات وحرمان الكيان الصهيوني من تحقيق أهداف الحرب.
الصمود والصمود وحده في الميدان هو من سيحسم الموقف.
المصدر: ماتريوشكانيوز