أهم نتائج زيارة بوتين إلى الصين
• تعاون بين موسكو وبكين في مختلف المجالات على الأرض وحتى على سطح القمر
ملامح التحدي والوئام
لم يكن صدفة أن تكون الصين أول رحلة خارجية وبزيارة رسمية للرئيس بوتن بعد إعادة انتخابه رئيسيا لروسيا للمرة الخامسة، فهذه الخطوة مؤشر قوي للدلالة على أن عرى الصداقة والتعاون والتفاهم بين البلدين أقوى من جميع محاولات التأثير عليها ومحاولة النيل منها، وهذا الأمر مشترك في الدلالة ففي مارس آذار عندما قرر الزعيم الطيني أن تكون روسيا أول محطة له في زياراته الخارجية.
كان استقبال الرئيس بوتن مهيبا فخما وفي ذلك أيضا دلالة الاحترام الذي يبدو وكأنه رد مباشر على الصلف الغربي وعقوباته خاصة أن الصين نفسها تتعرض لضغط متزايد وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، هذه المظاهر الاحتفالية الكبيرة تترجم كنوع من الوئام بين البلدين والتحدي المشترك لخصومهما الأمر الذي بدا جليا في البيان الختامي.
الانتقال من الرائع إلى الأروع
ورغم أن العلاقات الثنائية التعاونية في مختلف المجالات قد قطعت شوطا كبيرا، إلا أن الزعيمين أرادا أن يُظهرا للغرب أنهما ماضيان نحو تعميق العلاقات أكثر فأكثر، حيث تم في ختام المباحثات التوقيع على أحد عشر اتفاقية جديدة، إلى جانب توقيع البيان المشترك بشأن تعميق “المُعمَّق”، تعميق علاقات الشراكة الشاملة والتفاعل الاستراتيجي، والاحتفاء بالذكرى 75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وبكين.
ماذا يعني تعميق علاقات الشراكة الشاملة والتفاعل الاستراتيجي؟ أي البحث عن أي جانب ولو صغير لم تتم الاستفادة منه في العمل المشترك والمنفعة المشتركة وتفعيله بجسور تواصل حتى يصبح مشاريع قابلة للتحقق، فيتم إثرها توقيع اتفاقيات جديدة بهذا الشأن.
الجانب الهام في هذا المجال هو أن هذا التعاون وصل حتى إلى الفضاء واستثمارات مشاريع مستقبلية فيه حيث أعلنت وكالة الفضاء الروسية “روسكوزموس” عن مشروع جبار ستقوم به الصين وروسيا لبناء مفاعل نووي له طبيعة آلية لاستخدامه في تشغيل قاعدة قمرية روسية صينية من المفترض تشغيلها بمساهمة مفتوحة للعديد من الدول ويرجح إنجازها عام 2035. وقد وصف الرئيس بوتن هذه المشاريع رغم كلفتها العالية بأنها مثيرة جدا للاهتمام وواعدة جدا.
إحدى النتائج الهامة والمتوارية خلف حيثيات الزيارة، هي توطيد العمل المشترك لمواجهة مخططات الولايات المتحدة لإعاقة التعاون الروسي الصيني من جهة وعرقلة النمو الاقتصادي في هذين البلدين بشتى الوسائل من جهة ثانية، وذلك من خلال فرض العقوبات بالنسبة لروسيا واتخاذ القرارات الضرائبية غير المعقولة بالنسبة للصين مع ازدياد التخوف الأمريكي من المنافسة الصينية في جميع أرجاء العالم، وقد وجدت موسكو ضالتها المنشودة في الصين لتصريف المنتجات التي خضعت للعقوبات وخاصة مصادر الطاقة، وهذا الأمر مفيد جدا للصين في تنشيط انتاجها وتشغيل مشاريعها، وطبيعة قوام الوفد الروسي يوحي بأن الاهتمام بالجانب الاقتصادي له الأولوية بالنسبة للطرفين.
تصريحات لها دلالات نوعية
في إطار فتح المجال العملي للتعاون صرح الرئيس بوتن بأن روسيا مستعدة لتقديم تسهيلات اقتصادية للمستثمرين الصينيين بحيث يستفيدوا من القاعدة التكنولوجية الروسية وخبرات الكوادر الروسية عالية الكفاءة، ما يعني فتح مجالات عملية في إطار التعاون حتى تقنيا في مختلف المجالات. كما أكد أن التحالف الاستراتيجي بين روسيا والصين في قطاع الطاقة سيستمر تعزيزه، وأن روسيا قادرة على تزويد الاقتصاد الصيني والشركات والمدن الصينية بالطاقة الصديقة للبيئة والضوء والحرارة بأسعار معقولة وبشكل موثوق.
وكان للأوضاع في أوكرانيا حضور هام اختصره الرئيس بوتن ببعض التصريحات النوعية حيث اعتبر موضوع إرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا أمر سابق لأوانه، وأوضح بالنسبة لمؤتمر سويسرا حول أوكرانيا بأن روسيا خاضت مناقشات شاقة وجدية في مينسك وإستانبول أما الصيغ المطروحة حاليا فهي تنطلق من الرغبات وليس الواقع، ومن أهم تصريحات الرئيس الروسي حول أوكرانيا من الصين ما له علاقة مباشرة بتقدم القوات الروسية عند خاركوف قوله أن ما يجري هو إقامة منطقة عازلة لحماية المناطق الحدودية، مؤكدا أن الاستيلاء على مدينة خاركوف ليس جزءا من خطة روسيا في الوقت الراهن… يمكن وضع عدة نقاط عن قوله “الوقت الراهن”!
كما أوضح الرئيس الروسي أن فرض السلطات الأمريكية قيودا مالية على روسيا تضر نفسها كمن يقطع الغصن الذي يجلس عليه.
وعبَّر جون كيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي عن قلق واشنطن تجاه تطور العلاقات بين موسكو وبكين، معتبرا أن روسيا والصين تسعيان لتحدي النظام الدولي.
واعتبرت صحيفة فاينانشال تايمز أن تصريحات الزعيمين الروسي والصيني كانت مُذلَّةً لواشنطن، وفي حين أن وزير الخارجية الأمريكي بلينكن دعا الصين إلى التوقف عن دعم روسيا في النزاع الروسي الأوكراني، وقد جاء في البيان الختامي للزيارة “ضرورة تعزيز العلاقات العسكرية بين البلدين، والعمل المشترك لمقاومة الضغوط الأمريكية وممارساتها العدائية، ما اعتبرته الصحيفة صفعة لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن.
لقاء العملاقين الروسي والصيني مبعث قلق دائما للولايات المتحدة الأمريكية حتى أن هذه القفزة الهامة الجديدة في العلاقات الروسية الصينية دفعت حتى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للتخمين في تصريح مفاجئ حول زيارة بوتن إلى الصين “بأن الرئيسين بوتن وشي جين بينغ يعملان الآن معا على خطط ما(…) ، المقصود لمواجهة أمريكا.