تقارير

كيف نواصل حياتنا كالمعتاد بينما تحدث في غزة فظائع كهذه!؟

تحت هذا العنوان نشرت طبيبة الأطفال  باسم “ميخال فلدون” مقالاً نشرته “هآرتس” مؤخّراً بدأته: ” قبل عدة أيام، نشرت وسائل الإعلام العالمية الصورة المفجعة التي يظهر فيها محمد أبو القمصان، الذي ذهب لاستصدار شهادات ميلاد لتوأميه أيسل وآسر، البالغين من العمر ثلاثة أيام، في دير البلح. لدى عودته على المنزل، اكتشف أن توأميه الغضّين، زوجته وجدّة الطفلين، قد قُتلوا. الأب الباكي، الذي أغمي عليه بين حشد الناس وهو يحمل بيديه شهادتيّ الميلاد، أصبح، بحقّ، رمزًا للكارثة الحاصلة في قطاع غزة. ردود الفعل من جانب الإسرائيليين اليهود على شبكات التواصل الاجتماعي شملت التعبير عن الشماتة، الكراهية والتمنيّات بالموت. وكانت من ضمنها، أيضًا، تفسيرات “علمية” تبرر قتل الطفلين ابنيّ الأيام الثلاثة وكذلك بالطبع، الآن أيضًا، توصيفات خيالية تمامًا لأحداث يوم 7 تشرين الأول، والتي يبدو أنه لم يعد بمقدور أي مقال علميّ دحضها.  اثنان في المائة من مجموع السكان في قطاع غزة قُتلوا، منذ بداية الحرب حتى الآن ـ 40 ألف إنسان، غالبيتهم من النساء والأطفال. لو أنّ اثنين في المائة من مجموع السكان في إسرائيل قد قُتلوا، فمعنى ذلك أن الحديث يدور عن 200 ألف قتيل. أكثر من عدد السكان في مدينة حولون أو في مدينة رمات غان. لا يمكن تصوّر هذا ولذلك، ربما، فهو لا يثير مشاعر التعاطف الوجداني بين السكان هنا”؟!

وأضافت: “لكن عندما تُروى قصة واحدة عن طفل واحد أو عن عائلة واحدة، لأشخاص لم يكن في استطاعتهم إنقاذ أنفسهم من هذا الوضع الذي هم عالقون فيه منذ عشرة أشهر، كأولئك الذين هربوا من بيوتهم، بعضهم للمرّة كذا… عدة مرات حتى الآن، ويسكنون في مخيم للاجئين أو في الخيام، في ظروف النقص الحاد في الغذاء وفي مياه الشرب، بدون أدوية أو خدمات صحية وبدون أية تدابير لحفظ الصحة العامة، كنت أتوقع أن تخترق هذه القصة جدار الكراهية والثأر ويسمح بقدر قليل من الرحمة. عندما يُحكى عن أشخاص فقدوا أبناء عائلة وأصدقاء، والآن قُتلوا هم أنفسهم أيضًا؛ عندما يُحكى عن أطفال قُتلوا وهم يبلغون من العمر أيامًا معدودة فقط، فإنني أتوقع أن تنكسر قلوب الجميع، ولو قليلًا”؟!

وتابعت الطبيبة: “طفلة نجت من القصف الذي قُتل فيه أبناء أُسرتها، هذا الأسبوع في مستشفى ناصر في القطاع. أين اختفت الشفقة؟ في الشهر الأول الذي تلا يوم 7 تشرين الأول، وحين تجند الجميع من أجل ضحايا المجزرة وعائلاتهم، من أجل الذين تم إجلاؤهم من بيوتهم ومن أجل الجنود، حين صرخ الناس من أجل الأطفال الموجودين في الأسر لدى حماس ومن أجل حقوقهم، عندما وضعت الحركة الاحتجاجية (أخوة السلاح) أسلحتهم جانبًا وأوقفوا حملتهم الاحتجاجية وراحوا يجمعون المعدات والمواد الغذائية ـ كان يبدو لوهلة أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية هي المكان الأكثر دعمًا وتعاطفًا. صحيح أن الحكومة سيئة ومُجرِمة، لكنّ شعب إسرائيل هو شيء مُميّز، فريد من نوعه. لكنّ الحرب تمتد وتطول الآن ولا شيء يتغير عندنا هنا: الذين تم إجلاؤهم من بيوتهم لا يزالون بعيدين عنها، جنود الاحتياط يتجندون المرة تلو الأخرى، الصواريخ ما زالت تتساقط، الاقتصاد ما زال متعثرًا والمخطوفون ما زالوا هناك، لم تتم إعادتهم. وفي الوقت نفسه، الفظائع في قطاع غزة تُشاهَد أكثر فأكثر: مرة أخرى وأخرى وأخرى يتم قصف مدرسة، مستشفى أو مخيم لاجئين؛ مرة أخرى وأخرى وأخرى يُقتَل أطفال وعائلات بأكملها تُمحى عن وجه الأرض. وشعب إسرائيل يلتزم الصمت. وسائل الإعلام (الإسرائيلية) لا تتحدث عمّا يحدث، ليس حقًا. السياسيون، عامّة، لا يذكرون خطورة الوضع والأحداث هناك، وحتى نشطاء الحملات الاحتجاجية يواصلون ترديد الهتافات ضد (يبي). إنهم يرددون صرخات الانكسار من أحداث 7 تشرين الأول ويطالبون بإعادة المخطوفين، لكنهم لا يدعون حقًا إلى وقف الحرب. وعلاوة على ذلك، لم يكن ـ وليس هناك الآن ـ ولا في أية مرحلة من المراحل، تجنُّد العاملين في مجال الصحة، التربية والتعليم والرفاه ضد هذه المأساة الإنسانية التي تحدث في قطاع غزة، بسبب الحرب ونتيجة لها”؟!

وتساءلت: “أين الأطباء الذين تظاهروا، مقابل الصليب الأحمر تحت صافرات الإنذار ورشقات الصواريخ، من أجل توفير الأدوية للمخطوفين؟ كيف يمكن أن لا يكون هناك آلاف الأطباء في الشوارع يصرخون ضد المظالم الإنسانية التي تحصل في دولة إسرائيل ـ مثل قضية (سديه تيمان) ـ أو ضد المظالم التي لا تُغتفَر التي تحدث في قطاع غزة؟ أين النقاش حول جرائم التجويع، الأضرار غير القابلة للإصلاح في القطاع الصحي، حول آلاف المرضى والمصابين ذوي الإصابات البالغة الذين ينتظرون إخلاءهم من قطاع غزة لتلقي العلاج لكن دون ردّ، حول النقص في الأدوية والخطر الوبائي في انتشار أوئبة قديمة مثل شلل الأطفال (بوليو) في قطاع غزة (وقريبًا، هنا أيضًا)”!؟

وخلصت للقول: “هل يُعقل ألّا يكون آلاف الأطباء في الشوارع يصرخون ضد المظالم الإنسانية التي تحدث في إسرائيل، أو ضد المظالم التي لا تُغتَفَر التي تحدث في غزة؟ كيف يمكن للمجلات العلمية المرموقة أن لا تطلق صرخاتها وللصحف الإسرائيلية أن لا تمتلئ بعرائض تحمل عشرات آلاف التواقيع؟ أين المعلمون ورجال الأكاديميا؟ ألا تصعقهم الغارات على المدارس بمن فيها من طلاب؟ أين رجال الدين ليصرخوا ضد قصف بيوت العبادة؟ حملة الاحتجاج ضد الحرب اتسعت خلال هذه الأشهر من بضع عشرات المتظاهرين إلى بضعة آلاف قليلة يتظاهرون الآن. لكن أين الجميع؟ قبل نحو أربعين سنة خرج في دولة إسرائيل 400 ألف إنسان احتجاجًا على مجزرة طالت آلاف الأشخاص من السكان المدنيين في دولة أجنبية، نفذتها قوات أجنبية. الجيش الإسرائيلي وقادة السلطة كانوا ضالعين آنذاك، بل جرى عزلهم أو توبيخهم بشدة في أعقاب ذلك الحدث، رغم أنّ إسرائيل وقواتها لم تكن هي التي نفّذت تلك الأعمال. فكيف نستيقظ إذًا كل صباح لنذهب إلى العمل ولنعيش حياتنا الروتينية، نشكو صعوبة تدبر أمورنا مع الأولاد بدون أطر، أو نخشى هجومًا إيرانيًا خلال أحاديثنا على فنجان القهوة في العمل ولا نصرخ: “كفى!”، بجماهيرنا الواسعة؟ بمرور الوقت، سمعتُ تفسيرات كثيرة : أحداث 7 تشرين الأول كانت صدمة قومية، الجميع في خدمة الاحتياط، تم إخلاء الجميع، الجميع يفعل كل ما أمكن من أجل البقاء، التراخي الحكومي تغلغل بين السكان. لا أستطيع أن أجد تفسيرًا واحدًا يعطي جوابًا مُرضِيًا على السؤال: كيف فقد شعب إسرائيل الرحمة وتخلى عن إنسانيته”!؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى